كشفت دائرة الإحصاء المركزية للاحتلال أن : 34% من زوجات الجنود في غزة فكّرن في الانفصال، و61% احتجن إلى دعم نفسي أو مالي أو اجتماعي.
هذا الرقم الصادم لم يأتِ من مؤسسة معادية، بل من الجهة الرسمية المعنية بالإحصاءات داخل إسرائيل، ما يجعله شاهداً على عمق الأزمة التي يواجهها الجيش وعائلاته في ظل حرب غزة. فالأسر التي يفترض أن تكون سند الجنود، باتت هي الأخرى في حالة تفكك وانهيار، بينما تغيب الدولة عن تقديم الحلول الجادة.
الطلاق وتصدع العلاقات الأسرية
النسبة المعلنة — ثلث الزوجات يفكرن في الانفصال — تكشف عن أزمة اجتماعية متفجرة. الغياب الطويل للجنود، الخوف الدائم من موتهم أو إصابتهم، وضغوط الأعباء الاقتصادية، كلها عوامل دفعت العلاقات الزوجية إلى حافة الانهيار. 61% من الزوجات قلن إنهن احتجن دعماً نفسياً أو مادياً خلال فترة الخدمة، وهو ما يعكس حالة تفكك تتسع مع كل يوم إضافي من الحرب.
الاكتئاب والانتحار بين الجنود
الأزمة لا تقتصر على المحيط العائلي؛ فالمؤسسة العسكرية نفسها أقرت بارتفاع معدلات الاكتئاب والاضطرابات النفسية في صفوف الجنود. تقديرات رسمية تشير إلى أن نحو 15% من العائدين من غزة يحتاجون إلى علاج نفسي طويل الأمد، فيما سُجلت عشرات حالات الانتحار خلال عام واحد فقط. الضغط النفسي الناتج عن القتال والخسائر البشرية جعل من الانتحار مخرجاً مأساوياً لبعض الجنود العاجزين عن التكيف.
الهروب والامتناع عن الخدمة
إلى جانب الانتحار، تتصاعد ظاهرة الهروب أو الامتناع عن الخدمة العسكرية. آلاف من جنود الاحتياط تجاهلوا أوامر الاستدعاء، والمئات تقدموا بطلبات إعفاء لأسباب نفسية أو أسرية. بعض الوحدات القتالية أبلغت عن نسب غياب تخطت 20%، ما أدى إلى خلل واضح في جاهزية الجيش. هذه الأرقام تمثل ضربة قاسية لمفهوم الانضباط الذي طالما تفاخر به الجيش الإسرائيلي.
الاستقالات وتراجع الثقة بالقيادة
الضغط النفسي انعكس كذلك على الضباط، حيث تقدّم العشرات منهم باستقالاتهم خلال الأشهر الماضية، في سابقة تكشف فقدان الثقة بالقرارات العسكرية والسياسية. الانقسامات داخل صفوف القيادة تضاف إلى أزمة الجنود العاديين، لتضع المؤسسة العسكرية أمام مأزق مركّب بين انهيار المعنويات وفقدان الكفاءات القيادية.
انعكاسات على المجتمع الإسرائيلي
هذه الأزمات المتراكمة امتدت إلى المجتمع الإسرائيلي الأوسع. ارتفاع نسب الطلاق، اتساع دائرة الاكتئاب، وتزايد العبء الاقتصادي على الأسر، كلها عوامل أضعفت ثقة المستوطنين بالدولة. المظاهرات ضد الحكومة وصرخات أهالي الجنود تعكس إحساساً عاماً بأن الاحتلال يتحول تدريجياً إلى جحيم لسكانه، ليس فقط بسبب الصواريخ أو العمليات العسكرية، بل نتيجة انهيار داخلي متسارع.
وفي ضوء ما سبق فإن الإحصائية الرسمية حول زوجات الجنود لم تكن سوى بوابة لكشف أزمة أعمق بكثير: جنود ينهارون نفسياً، حالات انتحار تتزايد، هروب جماعي من الخدمة، واستقالات في صفوف الضباط. كل ذلك يعكس مظاهر هزيمة نفسية تضرب الجيش والمجتمع الإسرائيلي معاً. وإذا استمرت هذه المؤشرات في التصاعد، فإن الاحتلال لن يواجه أزمة عسكرية فحسب، بل انهياراً شاملاً في بنيته الاجتماعية والنفسية والاقتصادية..