تشهد القرى والمناطق الزراعية في مصر موجة غضب وقلق متصاعدة بين الفلاحين، بعدما قفزت أسعار الأسمدة إلى أكثر من 100%، الأمر الذي يهدد الموسم الشتوي بالانهيار ويضع مئات الآلاف من الأسر الريفية أمام خطر فقدان مصدر رزقها الوحيد. ارتفاع أسعار الأسمدة ليس مجرد أزمة اقتصادية، بل أصبح كابوسًا حقيقيًا يهدد الأمن الغذائي المصري في واحدة من أدق المراحل التي يمر بها القطاع الزراعي.

 

 

الفلاحون: الموسم الشتوي في مهب الريح
يؤكد عدد كبير من الفلاحين في شهاداتهم المصورة أن أسعار الأسمدة تضاعفت بشكل يعجزون عن تحمله. أحد المزارعين في محافظة الشرقية قال: "إحنا مش عارفين نزرع.. الكيماوي بقى نار، واللي معهوش فلوس مش هيقدر يجيب ولا شوال". ويضيف آخر من المنيا أن ارتفاع التكاليف أجبره على تقليص مساحة الأرض المزروعة بالنصف، خوفًا من خسائر محققة إذا لم يتمكن من توفير الاحتياجات السمادية كاملة.

 

 

غياب حكومي وصوت الفلاحين في الفيديوهات
في مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل، يظهر فلاحون وهم يصرخون أمام الجمعيات الزراعية بسبب اختفاء حصصهم المدعمة، ما يفتح الباب أمام السوق السوداء التي تبيع الأسمدة بأضعاف السعر الرسمي. أحد المزارعين في البحيرة وجه صرخته مباشرة للحكومة: "الشتا داخل وإحنا لحد دلوقتي مش عارفين نأمن أسمدة، والمحصول كده هيبوظ"، فيما نشر آخر من الفيوم مقطعًا قصيرًا يظهر فيه أكوام الأرض الجافة قائلًا: "دي أرض عطشانة سماد، مش هتدي غير الفشل".

 

 

خسائر فادحة تلوح في الأفق
الخبراء يحذرون من أن استمرار الأزمة سيؤدي إلى انهيار إنتاج محاصيل أساسية مثل القمح والفول والبرسيم، وهي عماد الموسم الشتوي. فشل الحكومة في ضبط الأسواق وتوفير الكميات الكافية سيعني تراجعًا كبيرًا في الإنتاج المحلي وارتفاعًا في أسعار السلع الغذائية، ما يفاقم معاناة المواطنين في ظل موجة الغلاء الحالية.
 

الأرقام تكشف حجم الكارثة
في الأسواق خلال أغسطس 2025، اقترب سعر طن الأسمدة من 17,884 جنيهًا، بينما سجل طن اليوريا 25,666 جنيهًا، وبلغ سعر طن نترات النشادر نحو 24,742 جنيهًا. أما في الجمعيات الزراعية فقد تم تسعير سماد النترات عند 7,800 جنيه، وسلفات النشادر السائل بـ 3,500 جنيه، وسلفات البوتاسيوم بـ 21,000 جنيه. في حين قررت الحكومة تثبيت السعر المدعوم للأسمدة عند 4,500 جنيه للطن، مع تحمل دعم إضافي يبلغ 1,500 جنيه لكل طن للشركات المنتجة.

لكن في السوق السوداء ارتفع سعر الشكارة من اليوريا إلى ما بين 1,600 و1,700 جنيه، مقارنة بـ 1,100 – 1,200 جنيه فقط في السابق. وفي بعض المناطق وصلت الشكارة المدعومة بسعر 264 جنيهًا لتباع في السوق السوداء بـ 1,300 جنيه. كما سجل متوسط سعر طن نترات النشادر 23,339 جنيهًا في سبتمبر بزيادة 848 جنيهًا عن الشهر السابق، في حين بلغ سعر اليوريا 24,019 جنيهًا. وبحسب تقارير تجارية، قفز سعر طن اليوريا في السوق الحرة من 13,000 جنيه إلى نحو 25,000 جنيه خلال يونيو، أي بزيادة تقارب 100٪.
 

اتهامات للحكومة بالعجز والتقصير
الفلاحون لا يخفون غضبهم من تقاعس الحكومة عن وضع حلول عاجلة، معتبرين أن التصريحات الرسمية عن "متابعة الأزمة" مجرد وعود جوفاء. الفيديوهات التي يتداولها الأهالي على نطاق واسع تعكس حجم الإحباط الشعبي: طوابير طويلة أمام الجمعيات، ومشادات بين الفلاحين والموظفين، وصوت واحد يعلو: "الزراعة بتموت".

وفي ضوء ما سبق، فإن ارتفاع أسعار الأسمدة لم يعد أزمة عابرة، بل تهديد وجودي للموسم الشتوي وللأمن الغذائي المصري. شهادات الفلاحين وصور وفيديوهات احتجاجهم تكشف أن الأرض على وشك أن تتحول إلى مقابر للبذور بدلًا من أن تكون مصدرًا للخير. وبينما يطالب الفلاحون بحلول عاجلة ودعم حقيقي، يواصل المسؤولون الغياب، تاركين ملايين الأفدنة وملايين الأفواه تواجه مصيرًا مجهولًا.