عاد ملف البرنامج النووي الإيراني إلى تصاعد حاد بعد قرار دول أوروبا الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) تفعيل ما يعرف بـ«آلية الزناد» لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران، ما أعاد عقارب التوتر إلى الوراء وأطلق تحذيرات اقتصادية ودبلوماسية وسياسية.
ماذا تعني آلية الزناد؟
آلية الزناد وردت في قرار مجلس الأمن رقم 2231 لعام 2015 الذي أيّد الاتفاق النووي الشامل. وببساطة: أي دولة مشاركة في الاتفاق يمكنها رفع شكوى أمام مجلس الأمن بأن إيران أخفقت «فشلًا جوهريًا» في تنفيذ التزاماتها. حال تقديم هذا الإشعار يبدأ «عدّاد» مدته ثلاثون يومًا. خلال تلك الفترة يجب على المجلس أن يقرّ قرارًا بالإبقاء على رفع العقوبات؛ فإذا فشل المجلس في اعتماد قرار جديد، تعود جميع عقوبات الأمم المتحدة السابقة تلقائيًا وتُطبَّق مجددًا بنهاية المهلة. بمعنى عملي، إعادة العقوبات لا تحتاج موافقة جديدة يمكن أن يعرقلها حق النقض من أي دولة دائمة العضوية، بل يتطلب الأمر تصويتًا لصالح استمرار التعليق، وأي اعتراض دائم يكفي لإفشال استمرار التعليق وفتح الباب أمام إعادة فرض العقوبات.
لماذا أعاد الزناد التوتر الآن؟
الحكومات الأوروبية أعلنت أن إيران خرقت التزاماتها بدرجات خطيرة، ولا سيما في قضايا التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وملفات التخصيب بعد حوادث وتوترات إقليمية متكررة. دفعت هذه المخاوف الدول الأوروبية الثلاث لبدء العملية التي تؤدي في حال الصمت أو الفشل بمجلس الأمن إلى إعادة القيود الشاملة على الأسلحة والصادرات وتجميد الأصول وحظر السفر على مسؤولين وكيانات. إيران بدورها رفضت هذه الخطوة وهدّدت بردود قوية واستدعت سفراء بعض العواصم احتجاجًا.
ما الذي تعيده العقوبات عمليًا؟
العقوبات المعاد تفعيلها تشمل — بحسب نصوص القرارات السابقة — حزمة واسعة: حظر تصدير الأسلحة، قيود على الأنشطة النووية والصاروخية الحسّاسة، تجميد الأصول وتدابير سفر بحق أفراد وكيانات محددة، وحظر خدمات وتقنيات مرتبطة بالبرنامج النووي والصواريخ. هذه القيود ستفاقم الضغوط الاقتصادية على إيران وتقيّد علاقاتها التجارية والمالية الدولية.
ما هي مآلات تفعيل الزناد؟
- سياسيًا ودبلوماسيًا: الفاعلية الحقيقية تعتمد على قدرة الدول الأعضاء على تنفيذ العقوبات وامتناع دول أخرى مثل روسيا والصين عن الالتفاف عليها. حتى لو عاد الإطار القانوني للعقوبات، فإن تطبيقها الكامل قد يواجه تحديات عملية وسياسية.
- أمنيًا: هناك خطر أن تدفع الضغوط إيران إلى مزيد من التصعيد — مثل تقليص التعاون مع المراقبة الدولية أو اتخاذ خطوات انتقامية إقليمية — ما يزيد احتمالات وقوع مواجهات.
- اقتصاديًا: عودة قيود الأمم المتحدة تعقّد أي محاولات لتخفيف عزلة طهران، وتضغط على العملة والاقتصاد والقدرة على الاستيراد والتصدير، ما ينعكس سريعًا على الداخل الإيراني.
حدود وآجال تقنية مهمة
يجب التنبيه إلى أن آلية الزناد لها «موعد انتهاء» منصوص عليه في القرار: تنتهي صلاحية بعض آليات الاتفاق النووي في 18 أكتوبر 2025؛ إذا لم تُفعّل أو تُتخذ مبادرات إضافية قبل هذا التاريخ قد تتغير قواعد اللعبة القانونية والسياسية. هذا يقف خلف استعجال بعض الأطراف لاتخاذ خطوات حاسمة الآن.
خلاصة تحليلية
آلية الزناد أعادت الإطار القانوني للعقوبات بسرعة نسبية، لكنها لا تضمن حلًا دبلوماسيًا. إن فعالية الخطوة ستقاس بمدى التزام المجتمع الدولي بتنفيذ العقوبات عمليًا وبقدرة الدبلوماسية على فتح نافذة تفاوضية قبل أن يؤدي التصعيد إلى نتائج لا رجعة فيها. في المشهد الراهن، تبدو الصورة أقرب إلى دخول طويل من التوتر يتناوب فيه الضغط الدولي مع الإجراءات الإيرانية المضادة، ما يجعل المفاوضات أكثر تعقيدًا وأشدّ حساسية.