ألقى وزير الخارجية بدر عبد العاطي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ80، بدت في ظاهرها حافلة بالشعارات عن القانون الدولي والشرعية الأممية، لكنها في جوهرها لم تخرج عن كونها استمرارًا لنهج الخنوع والإذلال الذي تتبناه القاهرة في المحافل الدولية. الكلمة كشفت عجز النظام المصري عن اتخاذ موقف صريح ضد الاحتلال، وبدت أقرب إلى الاستجداء الدولي عبر ورقة "استضافة 10 ملايين لاجئ"، التي يحاول النظام استثمارها في كل منبر باعتبارها شهادة حسن سلوك أمام المانحين، بينما في الحقيقة ليست سوى ورقة شحاتة سياسية تخفي وراءها تقصيرًا في الدفاع عن القضايا العربية وعلى رأسها فلسطين.
 

فلسطين في قلب الخطاب: إدانة شكلية بلا فعل
خصص الوزير مساحة واسعة للحديث عن المأساة الفلسطينية، فأدان الممارسات الإسرائيلية، وأكد على رفض مصر لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين أو تصفية قضيتهم. لكنه في الوقت نفسه ربط تحركات القاهرة بما أسماه "رؤية الرئيس الأميركي ترامب"، مقدمًا الشكر والامتنان لواشنطن، في مشهد يعكس التبعية الكاملة للإرادة الأميركية، بدلاً من تبني موقف وطني مستقل يليق بمصر وتاريخها.
 

ورقة اللاجئين: دبلوماسية الشحاتة باسم الإنسانية
من بين أكثر ما أثار الاستهجان في الخطاب، ما كرره الوزير بشأن استضافة مصر "أكثر من عشرة ملايين لاجئ ومهاجر"، مقدماً ذلك كعبء يفوق قدرة الدولة، ومطالبًا بتقاسم الأعباء مع المجتمع الدولي. هذا الطرح لا يعكس فخرًا بقدرة مصر على الصمود، بل يقدمها في صورة "الدولة الشحاتة" الباحثة عن المعونات تحت لافتة إنسانية. استخدام ورقة اللاجئين كوسيلة للضغط والابتزاز السياسي لم يعد مقبولاً، بل يظهر مصر كدولة فاقدة للحلول الحقيقية وتعتمد فقط على لغة الاستعطاف.
 

خطاب متناقض بين استجداء الدعم والتلويح بالقوة
تناقضات الكلمة ظهرت بوضوح؛ فمن ناحية تحدث الوزير عن ضرورة القانون الدولي والسلام والتعاون، ومن ناحية أخرى لوّح بالقوة في قضية سد النهضة قائلاً إن مصر "لن تتهاون في حماية حقوقها". هذه الازدواجية تكشف هشاشة المنطق الدبلوماسي، إذ يُستخدم التهديد في ملف إقليمي بينما يُمارَس الخنوع في قضية فلسطين التي تتعرض لإبادة يومية.
 

بيع الاستقلال الوطني تحت غطاء الوساطة
قدّم الوزير نفسه باعتباره شريكًا في جهود الوساطة بين القوى الإقليمية والدولية، مؤكداً دور مصر في غزة، والسودان، وليبيا، واليمن، وحتى الصومال. لكن واقع الحال أن هذا الدور لم يعد قائمًا على استقلال القرار المصري، بل على تنفيذ إملاءات واشنطن وحلفائها. مصر بدت كوسيط تابع لا يملك مبادرة، بل مجرد ناقل لرؤية الآخرين.
 

صورة مصر المخزية أمام العالم
بين السطور، لم تقدم الكلمة جديدًا سوى إعادة تدوير خطاب مأزوم: إدانة شكلية للاحتلال، تبرؤ من أي مواجهة مباشرة، تلويح بمظلومية اقتصادية، وتسويق لوهم "السلام خيار استراتيجي". النتيجة أن صورة مصر بدت أمام العالم كدولة منهكة، تستجدي الدعم المالي مقابل ورقة اللاجئين، وتخشى من أي خطاب قد يثير جماهيرها ضد النظام الحاكم.
 

خوف النظام من الشارع المصري
بين ثنايا الخطاب يمكن قراءة هاجس النظام الأساسي: الخوف من الشارع. فالكلمة بدت محاولة لطمأنة الجماهير الغاضبة بأن مصر "لم ولن تسمح بالتهجير"، في حين أن مجمل السياسات العملية تعكس انخراطًا ضمن المعادلة الأميركية – الإسرائيلية. هذا الازدواج يوضح أن النظام لم يعد يتحرك وفق منطق المصلحة الوطنية أو التضامن القومي، بل وفق منطق البقاء السياسي ومنع أي انفجار شعبي ضده.
 

خطاب بلا روح قيادية
اللغة التي استخدمها بدر عبد العاطي كانت غارقة في الصياغات الدبلوماسية الرتيبة: "التكافل الدولي"، "الرؤية المشتركة"، "الدعم المستدام". لكنها خلت من أي نبرة قيادة أو تحدٍّ كما اعتادت القاهرة أن تقدم نفسها في حقب سابقة. هذا الخطاب الفاتر أسهم في تكريس صورة مصر كدولة مستسلمة للأمر الواقع، تقبل بدور ثانوي في معادلة الشرق الأوسط.

وفي النهاية فخطاب وزير الخارجية بدر عبد العاطي في الأمم المتحدة لم يكن إلا مرآة تعكس مأزق النظام المصري الحالي: خطاب يخلو من السيادة، يفيض بالتناقضات، ويستند على "دبلوماسية الشحاتة" بورقة اللاجئين، بينما يغيب عنه أي موقف حقيقي أو شجاع تجاه القضية الفلسطينية. إنه خطاب يُثبت أن القاهرة لم تعد قادرة على لعب دورها التاريخي كمدافع عن حقوق الشعوب، بل اختارت طريق التبعية والارتهان لإرضاء واشنطن وحماية النظام من غضب الداخل.