في خطوة وُصفت بأنها الأولى من نوعها في التاريخ العسكري الأميركي، دعا وزير الدفاع الأمريكي دونالد ترامب، بيت هيغسث، نحو 800 من كبار الجنرالات والأدميرالات إلى اجتماع عاجل، مقرر انعقاده يوم الثلاثاء المقبل في قاعدة مشاة البحرية بكوانتيكو في ولاية فيرجينيا.
الدعوة التي وُجِّهت بشكل مفاجئ أثارت أسئلة كبرى حول أهدافها، خاصة وأنها تجبر قيادات عسكرية من الداخل والخارج على العودة إلى واشنطن خلال فترة قصيرة جدًا.
تفاصيل الدعوة وآليات الحشد
الدعوة شملت جميع الضباط برتبة جنرال "عميد" وما فوقها، إضافة إلى نظرائهم في البحرية والقوات الجوية وخفر السواحل.
طُلب من القادة تعديل جداولهم والتوقف عن أي مهام خارجية للحضور، وهو ما خلق حالة من الارتباك داخل بعض القيادات الميدانية المنتشرة حول العالم.
مصادر عسكرية أكدت أن الاجتماع سيُعقد خلف أبواب مغلقة، ولن يُسمح بتغطية إعلامية مباشرة، ما زاد من الغموض حول جدول الأعمال.
لماذا الآن؟ أسباب محتملة وراء الاجتماع
إعادة ترتيب الأولويات الاستراتيجية: مع تصاعد التوترات الدولية في شرق أوروبا وبحر الصين الجنوبي، قد يسعى هيغسث إلى توجيه رسالة بأن القيادة الأميركية موحدة ومستعدة للتحرك.
خلافات داخلية: هناك مؤشرات على توتر بين بعض القيادات العسكرية وإدارة ترامب، خصوصًا حول تدخل الجيش في القضايا السياسية والداخلية. الاجتماع ربما محاولة لفرض الانضباط وإعادة الاصطفاف خلف القيادة المدنية.
التحضير لمرحلة استثنائية: بعض المراقبين يرون أن الاجتماع قد يرتبط بخطط طوارئ داخلية، سواء تخص احتمال إغلاق حكومي ممتد أو سيناريوهات تتعلق بالانتخابات المقبلة.
السيناريوهات المتوقعة
إعادة رسم عقيدة الردع الأميركية: من المحتمل أن يتم الكشف عن خطوط عريضة لاستراتيجية جديدة، خاصة في ما يتعلق بمواجهة الصين وروسيا.
إصلاحات في هيكل القيادة: قد يعلن هيغسث عن تغييرات جذرية في آلية تعيين القادة أو توزيع المسؤوليات بين فروع الجيش.
رسالة سياسية: الاجتماع قد يكون أداة لإظهار قوة إدارة ترامب وقدرتها على التحكم بالمؤسسة العسكرية، في وقت تتزايد فيه الانقسامات السياسية داخل واشنطن.
التمهيد لقرارات عسكرية كبرى: لا يُستبعد أن يكون الاجتماع مقدمة لخيارات تدخل مباشر في بؤر توتر عالمية أو حتى على الساحة الداخلية في حال تطورت الأوضاع.
قلق وتكهنات
الغموض المحيط بالدعوة جعل بعض الخبراء يعتبرونها إشارة لمرحلة حساسة قد يشهدها الجيش الأميركي، خصوصًا أن جمع هذا العدد الهائل من القيادات في مكان واحد يُعتبر مخاطرة أمنية كبيرة، ما يعكس الأهمية القصوى للرسائل التي يريد هيغسث تمريرها.
تحليلات الخبراء: رسائل داخلية وخارجية
يرى الخبير العسكري مايكل هانا أن الاجتماع يهدف أولًا إلى "توحيد صفوف القيادة العسكرية خلف إدارة ترامب في لحظة سياسية حرجة"، مشيرًا إلى أن مجرد الدعوة بهذا الحجم تمثل اختبارًا للولاء والانضباط. أما الجنرال المتقاعد جيمس كونواي، الرئيس الأسبق لقوات المارينز، فأكد أن "الاجتماع ليس روتينيًا على الإطلاق، بل يهدف إلى إعداد المؤسسة العسكرية لمرحلة ضبابية داخليًا وخارجيًا، قد تشمل صدامًا سياسيًا داخل واشنطن أو مواجهة عسكرية مع قوة كبرى".
وفي السياق نفسه، ربطت الباحثة في شؤون الأمن القومي إليزابيث ساوندرز الاجتماع بالانتخابات المقبلة، قائلة: "ترامب يسعى لإظهار أن الجيش الأميركي بالكامل في صفه، وهو ما قد يثير جدلًا دستوريًا إذا تم تفسير الاجتماع على أنه تسييس للمؤسسة العسكرية".
فيما رأى مراقبون، أن هذا الاجتماع قد يرتبط باستراتيجية الدفاع الوطني الجديدة التي تعمل عليها الإدارة الأميركية، والتي من المتوقع أن تعيد ترتيب أولويات الجيش بحيث يصبح "الدفاع عن الوطن" الهدف الأول، بعد أن كانت الصين تصنف لسنوات باعتبارها التهديد الأمني الأبرز للولايات المتحدة.
لكن غياب توضيحات رسمية، وتوقيت الاستدعاء المتزامن مع احتمال حدوث إغلاق حكومي، زاد منسوب الغموض وأثار تساؤلات داخل الأوساط العسكرية.
وجاءت هذه الخطوة بعد سلسلة من تغييرات مثيرة للجدل أجراها هيغسث منذ توليه المنصب، منها تقليص عدد الجنرالات والأدميرالات، وإبعاده قادة كبار عن مناصبهم بدون مبرر.
وبذلك، تتجاوز أهمية الاجتماع مجرد كونه لقاءً عسكريًا موسعًا، لتتحول إلى محطة فاصلة قد تعيد تعريف العلاقة بين الجيش والسياسة في الولايات المتحدة، وتبعث برسائل قوة إلى الخصوم الخارجيين والداخل الأميركي في آن واحد.