شهدت مدينة نيويورك انعقاد المؤتمر الدولي لتسوية القضية الفلسطينية بالسبل السلمية، والذي جاء برئاسة مشتركة بين المملكة العربية السعودية وفرنسا، وسط مشاركة واسعة من عشرات الدول وصدور بيان ختامي مشترك يُعَدّ بمثابة خارطة طريق جديدة لإحياء حل الدولتين.
وأكد البيان الختامي – الذي صدر اليوم الثلاثاء – أنّ المؤتمر تبنّى "إعلان نيويورك" الذي حظي بتأييد 142 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليؤكد التزام المجتمع الدولي بحل الدولتين باعتباره المسار الوحيد لبناء مستقبل أفضل للفلسطينيين والإسرائيليين ولضمان الأمن والاستقرار لشعوب المنطقة.
الاعتراف بدولة فلسطين
ورحّب المؤتمر بسلسلة الاعترافات الدولية المتسارعة بدولة فلسطين، حيث أعلنت دول من بينها أستراليا، بلجيكا، كندا، المملكة المتحدة، لوكسمبورغ، البرتغال، مالطا، وفرنسا اعترافها الرسمي، في خطوة وُصفت بالتاريخية نحو تعزيز الشرعية الدولية للدولة الفلسطينية.
غزة والحرب المستمرة
توقف البيان مطوّلاً عند الوضع الإنساني في قطاع غزة، مشيراً إلى تفاقم المأساة مع استمرار الهجوم البري الإسرائيلي. وطالب بوقف دائم لإطلاق النار، وضمان الإفراج عن جميع المحتجزين الإسرائيليين، وتبادل الأسرى، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية، إلى جانب انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع.
وشدد البيان على ضرورة إنهاء حكم حركة حماس في غزة ونزع سلاحها وتسليمه إلى السلطة الفلسطينية بدعم دولي، بما ينسجم مع هدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة. وأكد أن الدولة الفلسطينية لن تكون دولة مسلحة، انسجاماً مع التزامات الرئيس محمود عباس الذي أعلن خلال المؤتمر رفض العنف والإرهاب وتعهّد بإجراء انتخابات عامة بعد وقف إطلاق النار.
إصلاحات فلسطينية ودعم دولي
رحّب المؤتمر بالإصلاحات الجارية داخل السلطة الفلسطينية، من بينها إلغاء نظام دفع مخصصات الأسرى، وإصلاح المناهج الدراسية بدعم أوروبي وسعودي، والتعهد بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية. كما دعا إلى تفعيل "التحالف الطارئ لدعم فلسطين" لتعبئة التمويل العاجل لموازنة السلطة، وطالب إسرائيل بالإفراج عن أموال المقاصة المحتجزة ومراجعة بروتوكول باريس الاقتصادي.
وفي السياق ذاته، أعلن المؤتمر دعمه نشر بعثة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار في الأراضي الفلسطينية بتفويض من مجلس الأمن، وتدريب وتجهيز قوات الشرطة الفلسطينية عبر برامج دولية قائمة مثل بعثة الأمن الأميركية وبعثة الاتحاد الأوروبي لمعبر رفح.
وقف الاستيطان وإنهاء الاحتلال
وجّه البيان دعوة صريحة للحكومة الإسرائيلية لإعلان التزام واضح بوقف الاستيطان ومصادرة الأراضي وأعمال الضم، محذراً من أن أي شكل من أشكال الضم سيُعتبر "خطاً أحمر" للمجتمع الدولي بما يحمله من تبعات سياسية ودبلوماسية خطيرة. وشدد على أنّ إنهاء الاحتلال الإسرائيلي هو السبيل الوحيد لتحقيق اندماج إقليمي شامل، استناداً إلى قرارات الأمم المتحدة والمبادرة العربية للسلام.
مسارات إقليمية وسلام شامل
ولم يقتصر البيان على الملف الفلسطيني، بل دعا أيضاً إلى إحياء المسارين السوري – الإسرائيلي واللبناني – الإسرائيلي، في إطار رؤية أشمل لإرساء منظومة أمنية إقليمية متكاملة تضمن سلامة وأمن جميع شعوب المنطقة.
موقف متباين
ويأتي انعقاد المؤتمر في ظل زخم دولي متزايد لصالح حل الدولتين، يقابله رفض أميركي واضح للاعتراف بدولة فلسطين، ووعيد إسرائيلي بالتصعيد، ما يعكس حجم التحديات أمام تحويل مقررات المؤتمر إلى خطوات عملية على الأرض.