في عمق دارفور، وتحديداً في مدينة الفاشر، يتكشف فصل جديد من المأساة السودانية التي لم تعد مجرد حرب أهلية عابرة، بل أقرب إلى إبادة جماعية بطيئة تستنزف أكثر من ربع مليون إنسان محاصرين داخل جدار من الجوع والقصف والخوف.
تقرير موسع لصحيفة واشنطن بوست الأميركية رسم صورة قاتمة للوضع، كاشفاً عن دور الإمارات في تمويل وتسليح قوات الدعم السريع، وهو ما ساهم بشكل مباشر في تحويل السودان إلى ساحة دمار ومجاعة.
حصار قاتل يحوّل الفاشر إلى سجن كبير
منذ أبريل 2023، تخضع الفاشر لطوق خانق فرضته قوات الدعم السريع، آخر معاقل الجيش السوداني في دارفور. من يبقى داخل المدينة يواجه الجوع والمرض، ومن يحاول الخروج يلقى مصيراً أشد قتامة: خطف، اغتصاب أو قتل.
صور الأقمار الصناعية التي حصلت عليها جامعة ييل، وأوردتها الصحيفة، أظهرت أن الميليشيا شيّدت جداراً ترابياً بطول 31 كيلومتراً حول المدينة، في مشهد يعيد للأذهان مجازر الجنينة عام 2024 التي حصدت أرواح نحو 15 ألف مدني.
انهيار المنظومة الصحية والغذائية
المشهد الصحي مأساوي: من أصل 36 مرفقاً طبياً لم يبقَ سوى مستشفى واحد يعمل بشكل جزئي.
الأطباء يمارسون الطب تحت التهديد، مستخدمين وسائل بدائية: الشِباك بدل الشاش، والماء الساخن بدلاً من المطهرات.
أما الغذاء فبات نادراً: السكان يقتاتون على مخلفات فول سوداني مخصص للماشية أو أعشاب برية، فيما انهارت الأسواق مع وصول أسعار الدخن إلى 53 دولاراً للكيلو، والطحين إلى 30 دولاراً، أرقام كارثية في بلد مصنّف بين الأفقر عالمياً.
جرائم ترقى إلى الإبادة الجماعية
شهادات ناجين تكشف عن انتهاكات مروعة: اختطاف فتيات قاصرات واغتصابهن، إعدامات ميدانية بحق رجال يبحثون عن طعام، واستهداف متعمد للمدنيين.
أحد الشهود لخص الوضع بعبارة: “الموت في كل مكان”. الأمم المتحدة بدورها وصفت ما يحدث بأنه قد يرتقي إلى جريمة ضد الإنسانية، وربما إبادة جماعية مكتملة الأركان.
نزوح ورحلات موت
الفاشر تشهد موجات نزوح غير مسبوقة: أكثر من 600 ألف فروا خلال 16 شهراً، لينضموا إلى مئات الآلاف في مدينة طويلة.
لكن طرق النزوح تحولت إلى مقابر مفتوحة: جثث على الطرقات، ابتزاز مالي، واحتجاز جماعي لمن لا يملك فدية.
قصة فاطمة (31 عاماً) تجسد الفاجعة؛ فقدت ثلاثة من أطفالها وزوجها في هجوم على معسكر زمزم، لتبقى مع ابنتها الناجية في مدرسة متهالكة وسط القصف المستمر.
استهداف المساجد ودفن الموتى في بيوت الله
في أغسطس الماضي، قُتل أطفال في قصف مدفعي عشوائي، وفي سبتمبر استهدفت طائرة مسيّرة مسجداً أثناء صلاة الفجر، فقتلت أكثر من 50 مصلياً. مع تحول المقابر العامة إلى أهداف عسكرية، اضطر السكان إلى دفن موتاهم داخل المساجد.
غياب المساعدات وصمت دولي مريب
المساعدات الدولية توقفت بعد تعرض قوافل الأمم المتحدة للقصف، فيما لم تجد الدعوات الأميركية والعربية لهدنة إنسانية صدى لدى قوات الدعم السريع.
العالم يراقب بصمت، تاركاً المدنيين لمصير أسود، في مشهد يرقى إلى تواطؤ دولي بالصمت.
الدور الإماراتي: شريك في المأساة
تقارير دولية وحقوقية ربطت مباشرة بين تمويل الإمارات لقوات الدعم السريع وبين تصاعد جرائم الحرب في دارفور.
أبوظبي استخدمت الموانئ الليبية والأراضي التشادية لتمرير شحنات أسلحة إلى ميليشيا حميدتي، في تحدٍ واضح للعقوبات الأممية.
بهذا الدعم، تحولت الإمارات من لاعب إقليمي إلى شريك مباشر في إنتاج المجاعة والمجازر، لتصبح صور الأطفال الجائعين والنساء المغتصبات والقتلى في المساجد انعكاساً لسياسة تدخلات مدمرة.