قدمت فرنسا مبادرة دبلوماسية شاملة تهدف إلى إحراز تقدم في مسار حل الدولتين عبر اعتراف متدرج بدولة فلسطين، إدخال قوة دولية آمنة إلى قطاع غزة، ونزع سلاح حركة حماس كشرط لمشاركتها لاحقًا أو لاستبعادها من أي حكم مستقبلي. المبادرة تقترن بدعوة لإدانة أعمال العنف، وضمان وصول المساعدات وإعادة إعمار غزة تحت إشراف دولي. ويرى المحلل السياسي مصطفى البرغوثي أن هذه الخطوة، رغم تعقيداتها، تعكس إدراكًا أوروبيًا متزايدًا بأن استمرار الاحتلال والعدوان لا يمكن أن يمر دون رد، وأن الاعتراف بفلسطين يضع أساسًا قانونيًا وسياسيًا جديدًا للضغط على إسرائيل.
 

مواقف الدول الكبرى والإقليمية
فرنسا أعلنت رسميًا نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، معتبرة أن هذه الخطوة قد تسهم في إنعاش حل الدولتين. لكن المبادرة قوبلت بانتقادات حادة من إسرائيل والولايات المتحدة اللتين اعتبرتا أن الاعتراف الأحادي قد يضعف فرص التفاوض. بريطانيا وكندا وأستراليا أبدت استعدادها للتنسيق، لكن بشروط مرتبطة بالتطورات الميدانية. من جانبه، اعتبر المفكر العربي عزمي بشارة أن المواقف الغربية تحمل ازدواجية واضحة: فهي تتحدث عن السلام لكنها تضع عراقيل أمام الفلسطينيين، فيما لا تمارس أي ضغوط حقيقية على إسرائيل لوقف الاستيطان أو العدوان.
 

الموقف الفلسطيني وحماس
السلطة الفلسطينية رحبت رمزيًا بالاعتراف، ورأت فيه تعزيزًا لمكانتها الدولية، لكنها تخشى أن يكون مشروطًا بآليات تُضعف شرعيتها. أما حماس فترفض أي مقترحات تقضي بنزع سلاحها قبل تسوية سياسية عادلة. ويؤكد الكاتب والمحلل ياسر الزعاترة أن نزع سلاح حماس مطلب إسرائيلي بامتياز، وأن أي مبادرة تتبنى هذا الشرط تفقد مصداقيتها لدى الشارع الفلسطيني، لأن المقاومة المسلحة في نظر الغالبية تمثل وسيلة الدفاع الوحيدة أمام آلة الحرب الإسرائيلية.
 

آليات القوة الدولية وإشكاليات التطبيق
اقتراح إدخال قوة دولية إلى غزة يواجه عقبات سياسية ولوجستية ضخمة: من سيشارك فيها؟ هل ستملك تفويضًا حقيقيًا لحماية المدنيين؟ وكيف ستتعامل مع رفض إسرائيل لأي وجود عسكري دولي على حدودها؟ يرى الباحث الفلسطيني حيدر عيد أن إدخال قوة دولية دون اعتراف صريح بحق الفلسطينيين في السيادة سيجعلها أداة لتكريس الاحتلال بشكل جديد، إذ ستنحصر مهامها في منع المقاومة وضبط الأمن بدلاً من حماية الفلسطينيين من العدوان.
 

فرص نجاح المبادرة على الأرض
رغم الزخم السياسي، فإن فرص التطبيق تبدو ضعيفة. فحماس لن تتخلى عن سلاحها دون ضمانات، وإسرائيل ترفض الاعتراف بدولة فلسطينية ذات سيادة كاملة، والولايات المتحدة مترددة في ممارسة ضغوط جدية على تل أبيب. ويشير الخبير الاقتصادي والسياسي عبد النبي عبد المطلب إلى أن المبادرة، في حال تم تنفيذها، ستظل مجرد غطاء دبلوماسي لفرض حلول لا تلبي طموحات الفلسطينيين، بل ربما تفتح الباب لتسويات مجتزأة تزيد الأزمة تعقيدًا.

وخلاصة الأمر أن المبادرة الفرنسية تمثل محاولة لإعادة إحياء النقاش حول حل الدولتين والاعتراف بفلسطين، لكنها تصطدم بواقع سياسي وأمني معقد. نزع سلاح حماس وقبول إسرائيل بقوة دولية على حدودها يكاد يكون أمرًا مستحيلاً في المدى القريب. ويؤكد المحلل السياسي مروان بشارة أن الاعتراف بدولة فلسطين من قبل فرنسا وأوروبا عمومًا، رغم كونه خطوة متقدمة، لن ينجح في تغيير الواقع الميداني ما لم يقترن بعقوبات فعلية على الاحتلال ووقف دعم الاستيطان. بمعنى آخر، الخطوة قد تخلق زخمًا سياسيًا، لكنها ستبقى رمزية إذا لم تتحول إلى ضغط عملي يعيد للفلسطينيين حقوقهم المشروعة.