شهدت مدينة الفاشر، كبرى مدن إقليم دارفور غربي السودان، واحدة من أكثر الهجمات دموية منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، بعدما استُهدف مسجد بحي الدرجة الأولى بقصف بطائرة مسيّرة، أسفر عن مقتل ما يزيد على 75 شخصًا أثناء أداء صلاة الفجر، وسط تنديد واسع ومطالبات عاجلة بحماية المدنيين.
بحسب مصادر محلية وشهود عيان، انهار المسجد بالكامل إثر الضربة الجوية، مما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا بين قتيل وجريح. وأفاد سكان بأن حصيلة الضحايا ارتفعت سريعًا نظرًا لضعف الإمكانيات الطبية ونقص الأدوية في المدينة المحاصرة منذ أكثر من عام ونصف.
شبكة أطباء السودان أكدت أن القصف "جريمة مروعة" نفذتها قوات الدعم السريع المدعومه من الاحتلال الاماراتي، وأدى إلى مقتل 43 شخصًا على الفور، بينهم مصلون كانوا يؤدون صلاة الفجر، فيما لحقت إصابات خطيرة بآخرين، قبل أن تعلن السلطات لاحقًا أن العدد تجاوز 75 قتيلًا.
ونقل أحد سكان الحي لمراسل وكالة "فرانس برس" مشاهد مأساوية قائلاً: "واجهتنا مشكلة في تجهيز الجثامين، بسبب نفاد الأكفان تحت الحصار، واضطررنا لاستخدام أكياس بلاستيكية في عملية الدفن".
اتهامات وتنديد دولي
الجيش السوداني حمّل قوات الدعم السريع المسؤولية الكاملة عن الهجوم، مؤكدًا أن الأخيرة كثّفت في الآونة الأخيرة استخدام الطائرات المسيّرة المزودة بعبوات قادرة على اختراق التحصينات.
على الصعيد الدولي، نددت وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر بالهجوم، واصفة إياه بأنه "صادم للغاية". كما حذرت منظمات حقوقية محلية ودولية من خطورة استهداف المدنيين في أماكن العبادة، معتبرة ذلك "جريمة حرب مكتملة الأركان".
أبعاد إنسانية خطيرة
الهجوم جاء بعد يوم واحد من معارك شرسة في محيط مجمع "يوناميد" الأممي سابقًا، حيث تبادل الطرفان السيطرة على الموقع الاستراتيجي. ويأتي في وقت تشدد فيه قوات الدعم السريع حصارها على مقر الفرقة السادسة مشاة في المدينة.
الوضع الإنساني في الفاشر يزداد تدهورًا مع استمرار الحصار؛ حيث تعاني المدينة من نقص حاد في الغذاء والدواء، وارتفاع معدلات الوفيات بين الأطفال والنساء، وسط تحذيرات من منظمات إغاثية من حدوث "مجازر جماعية" إذا ما سقطت المدينة بيد الدعم السريع.
دارفور تحت النار
تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن أكثر من 3384 مدنيًا قُتلوا خلال النصف الأول من العام الجاري وحده، معظمهم في دارفور، وهو ما يعادل نحو 80% من إجمالي الخسائر البشرية الموثقة بين المدنيين في السودان العام الماضي. وتؤكد هذه الأرقام تصاعد الطابع العرقي للعنف في الإقليم، مع انتشار واسع للانتهاكات التي تشمل القتل والاغتصاب والاختطاف.
في السياق ذاته، أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريرًا اتهمت فيه قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها بارتكاب جرائم مروعة في جنوب كردفان بين ديسمبر 2023 ومارس 2024، شملت القتل والاغتصاب والاختطاف ونهب وتدمير منازل المدنيين.
دعوات عاجلة للتدخل
في أعقاب مجزرة الفاشر، طالبت شبكة أطباء السودان، ولجان المقاومة المدنية في المدينة، المجتمع الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي بضرورة التحرك العاجل لوقف الجرائم ضد المدنيين، وفتح ممرات إنسانية لتوفير الغذاء والدواء للسكان المحاصرين.
كما حضّت "هيومن رايتس ووتش" الأمم المتحدة على نشر بعثة مراقبة دولية لتوثيق الانتهاكات الجسيمة ووقف استهداف المدنيين، محذرة من استمرار الصمت الدولي أمام "إبادة بطيئة" في دارفور.
حرب السلطة المستمرة
الحرب في السودان اندلعت إثر الصراع على السلطة بين قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان ونائبه السابق وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي". ومع مرور أكثر من 17 شهرًا، لم تفلح أي جهود إقليمية أو دولية في التوصل إلى هدنة مستدامة، بينما يدفع المدنيون الثمن الأكبر من خلال النزوح الجماعي، والمجاعة، والقتل الممنهج.
شاهـــد:
https://www.facebook.com/watch/?v=1482966696079475&t=0