شهدت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، واحدة من أفظع الجرائم منذ اندلاع الحرب السودانية في أبريل 2023، حيث أودى هجوم بطائرة مسيّرة بحياة أكثر من 70 مواطناً أثناء صلاة الفجر في مسجد محاصر بالمدينة.

الاتهامات وُجهت مباشرة إلى قوات "الدعم السريع"، التي تُحمّلها السلطات المحلية والمجتمعية مسؤولية سلسلة من المجازر والانتهاكات بحق المدنيين في الإقليم. الحادثة الدامية، التي وثّقتها جهات رسمية وأهلية، تضع المجتمع الدولي أمام واقع متدهور يهدد بتحول دارفور إلى مسرح لانتهاكات واسعة قد ترقى لجرائم حرب.
 

هجوم دموي يستهدف المصلين
فجر الجمعة، استهدفت طائرة مسيّرة مسجداً مكتظاً بالمصلين في مدينة الفاشر، ما أسفر عن مقتل أكثر من 70 شخصاً، بينهم شيوخ وأطفال وشباب.

"شبكة أطباء السودان" أكدت وقوع إصابات خطيرة بين المصلين، فيما أظهرت مقاطع فيديو نشرتها "لجان المقاومة" حجم الدمار، إذ تحول المسجد إلى أنقاض، والجثامين متناثرة وسط الركام.
 

الاتهامات تحاصر قوات الدعم السريع
حكومة إقليم دارفور اتهمت بشكل مباشر قوات "الدعم السريع" بتنفيذ "المجزرة البشعة" في الفاشر، بينما شدد مجلس السيادة السوداني على أن "الاستهداف المتكرر للمدنيين ودور العبادة يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني ويستوجب المساءلة".

الهجوم الجديد يعكس نمطاً متزايداً من الانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع في دارفور، وفق منظمات حقوقية ومصادر طبية محلية.
 

إدانات محلية ودولية تتصاعد
أدانت السلطات السودانية الهجوم بشدة، في حين طالبت "شبكة أطباء السودان" الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والمجتمع الدولي بالضغط الجاد لإيقاف هذه الجرائم وفتح ممرات إنسانية عاجلة لتوفير الغذاء والدواء للمدينة المحاصرة.

على المستوى الدولي، وصفت وزيرة الخارجية البريطانية، إيفيت كوبر، الحادث بأنه "صادم للغاية"، مشددة على ضرورة تهدئة فورية ومساءلة الأطراف المتحاربة وضمان وصول المساعدات.
وقالت كوبر عبر منصة "إكس": "لقد أظهرت الأطراف المتحاربة ولفترة طويلة تجاهلاً صارخاً للقانون الإنساني".
 

الأمم المتحدة: أرقام صادمة عن الضحايا المدنيين
تقرير جديد أصدرته مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان كشف عن حجم الكارثة الإنسانية في السودان.
بين يناير ويونيو فقط، قُتل ما لا يقل عن 3384 مدنياً، معظمهم في دارفور، جراء القصف المدفعي والغارات الجوية وهجمات الطائرات المسيرة.

التقرير أشار إلى أن نحو 990 مدنياً أُعدموا بإجراءات موجزة خلال النصف الأول من العام، مع تضاعف عدد الضحايا ثلاث مرات بين فبراير وأبريل.
ممثل المفوضية في السودان، لي فونج، صرح قائلاً: "نتلقى يومياً المزيد من التقارير عن أهوال على الأرض".
 

كارثة إنسانية تهدد الإقليم
مدينة الفاشر تعيش تحت حصار خانق يفرضه مقاتلو الدعم السريع، مع انعدام شبه كامل للدواء والغذاء، ونقص حاد في الإمدادات الطبية.
مخيمات النازحين مثل زمزم وأبو شوك تشهد أوضاعاً متدهورة مع تزايد الاعتداءات ضد المدنيين.

مراقبون يحذرون من أن استمرار مثل هذه الجرائم دون تدخل دولي عاجل قد يفتح الباب أمام كارثة إنسانية غير مسبوقة، وربما يُعيد إلى الأذهان سيناريوهات الإبادة الجماعية التي شهدها الإقليم مطلع الألفية.
 

خبراء: جريمة حرب وتهديد إقليمي
يرى خبراء القانون الدولي أن استهداف المصلين داخل مسجد يشكل انتهاكاً مباشراً لاتفاقيات جنيف، ويُصنف كجريمة حرب مكتملة الأركان تستوجب ملاحقة مرتكبيها أمام المحكمة الجنائية الدولية.
المستشار القانوني السوداني، الطيب عبد الرحيم، قال إن "استخدام الطائرات المسيرة ضد أهداف مدنية يمثل تصعيداً خطيراً وخرقاً لكل الأعراف الدولية".

من الناحية العسكرية، أوضح العميد المتقاعد حسن فضل أن "الدعم السريع يعتمد على تكتيكات الطائرات المسيّرة لتعويض نقص الغطاء الجوي التقليدي، وهذا ما يجعل المدنيين الهدف الأسهل والأكثر تضرراً".
اقتصادياً، أكد الدكتور محمد الفقي أن "تكرار المجازر في دارفور يعمق الانهيار الإنساني ويؤدي إلى نزوح جماعي قد يهدد استقرار دول الجوار، خاصة تشاد وأفريقيا الوسطى".