في مشهد سياسي مألوف منذ انقلاب يوليو 2013، أعاد انقلاب عبد الفتاح السيسي إنتاج سيناريو الحشود المأجورة والرقص أمام اللجان الانتخابية، هذه المرة في انتخابات مجلس الشيوخ التي جرت يومي 4 و5 أغسطس 2025. ورغم المساعي الحكومية لتجميل الصورة، جاءت نسبة المشاركة ضئيلة للغاية، وأظهرت الأرقام المسربة من بعض اللجان أن أكثر من نصف الأصوات التي أُدلي بها كانت باطلة، في ما اعتبره مراقبون نوعاً من "التصويت العقابي" ضد السلطة.

 

عزوف شعبي وحشد قسري
بحسب تقديرات منظمات حقوقية وأحزاب سياسية، لم تتجاوز نسبة المشاركة الفعلية 3 إلى 10 بالمئة، معظمهم من الفقراء الذين تم استدراجهم بمبالغ مالية زهيدة أو مواد غذائية، أو من الموظفين الذين أُجبروا على الحضور تحت تهديد العقوبات الإدارية. وفي مشاهد أثارت السخرية، جرى نقل كبار السن بسيارات إسعاف، وجُلب أزواج قبل زفافهم مباشرة للتصويت، فيما خلت أغلب اللجان من الناخبين إلا من مجموعات منظمة لخلق زحام مصطنع.

 

أصوات باطلة ورسالة غضب
الظاهرة الأبرز في هذه الانتخابات كانت الارتفاع الكبير في نسبة الأصوات الباطلة، والتي وصلت في بعض اللجان إلى 60 بالمئة من إجمالي الأصوات، وهو ما فسره محللون بأنه نتيجة تصويت أميين تم حشدهم بشكل عشوائي، أو تصويت موظفين وعمال أُجبروا على الحضور فاختاروا إبطال أصواتهم تعبيراً عن رفضهم. أحد الأساتذة في العلوم السياسية اعتبر ذلك "تمرداً صامتاً" ضد الإملاءات السياسية.

 

شراء الأصوات على الملأ
رصدت تقارير ميدانية لمشاهد بيع وشراء أصوات بشكل علني أمام اللجان، حيث وُزع ما يعرف بـ"البون" بقيمة 200 إلى 300 جنيه للصوت، وترتفع المبالغ إلى 500 جنيه لمن يقومون بعملية الحشد. كما وُزعت وجبات طعام وحقائب مواد تموينية في مناطق مثل المنصورة والبدرشين وأطفيح، في انتهاك واضح لقواعد النزاهة الانتخابية.

 

مقاعد محسومة سلفاً
الانتخابات جرت على 200 مقعد فقط، فيما يعيّن السيسي 100 عضو إضافي. ومن بين المقاعد المنتخبة، حسمت "القائمة الوطنية" الموالية للحكومة 100 مقعد بالتزكية لغياب المنافسين، بينما جرت المنافسة الشكلية على المقاعد الفردية الباقية وسط اتهامات بتزوير النتائج وتضخيم نسب المشاركة.

 

أسباب العزوف
يرى مراقبون أن العزوف الشعبي يرجع إلى غياب أي صلاحيات حقيقية لمجلس الشيوخ الذي يقتصر دوره على الاستشارة غير الملزمة، بالإضافة إلى هيمنة رجال الأعمال المقربين من السلطة على الترشيحات، وسط تسريبات عن مبالغ تصل إلى 50 مليون جنيه لشراء المقعد. كما أسهمت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، والقيود على الأحزاب المعارضة، في زيادة الفتور تجاه العملية الانتخابية.

 

بيئة انتخابية مغلقة
هذه الانتخابات هي الأولى منذ استبعاد القضاة من الإشراف الكامل على العملية الانتخابية، واقتصار الأمر على عدد محدود من مستشاري النيابة الإدارية وقضايا الدولة، ما أثار مخاوف إضافية بشأن الشفافية. وأكدت منظمات حقوقية أن ما جرى كان "استعراضاً شكلياً بلا مضمون ديمقراطي"، يعكس أزمة ثقة عميقة بين المواطن والنظام السياسي في مصر.

وبين مشاهد الحشد القسري، وشراء الأصوات، ونسب المشاركة الهزيلة، بدت انتخابات مجلس الشيوخ 2025 بالنسبة لكثيرين مجرد حلقة جديدة في سلسلة من المسرحيات السياسية، حيث تُحسم المقاعد قبل أن تُفتح صناديق الاقتراع، وتُعرف النتيجة قبل أن يبدأ السباق.