في أحدث صفعة يتلقّاها الاقتصاد المصري تحت حكم قائد الانقلابعبد الفتاح السيسي، أعلن رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، أن إيرادات القناة انخفضت بنسبة 60%، مسجلة تراجعًا من 10.2 مليارات دولار في 2023 إلى 4 مليارات فقط حتى الآن.
الانحدار الكارثي – بحسب التصريحات الرسمية – يُعزى إلى التوترات في البحر الأحمر بسبب هجمات الحوثيين، لكن الحقيقة أعمق وأخطر من ذلك:
إنها نتيجة سنوات من الفشل السياسي، وسوء التخطيط، واستنزاف أموال الشعب في مشاريع استعراضية لا عائد لها، بينما تُترك واحدة من أعظم الأصول الاستراتيجية في يد منظومة لا تُجيد سوى إطلاق الشعارات وتبرير الكوارث.
قناة السويس ليست بخير… والأرقام تفضح الأكاذيب
تصريحات أسامة ربيع كشفت أن:
- إيرادات القناة بالدولار تراجعت 60%
- عدد السفن المارة بالقناة انخفض بنسبة 55%
- الظروف الأمنية الإقليمية ساهمت، لكن الانكشاف الاقتصادي وسوء الإدارة عمّق الأزمة
هذا الانهيار ليس مجرد أثر جانبي لصراع في البحر الأحمر، بل هو مؤشر لفشل استراتيجي متراكم منذ قرر السيسي تحويل القناة إلى مشروع دعائي في 2015، تحت شعار "قناة السويس الجديدة"، التي استنزفت 64 مليار جنيه من جيوب المصريين دون خطة واضحة أو مردود حقيقي.
لقد تم بيع الحلم للمصريين تحت تهليل إعلامي هستيري، لكن النتيجة اليوم هي أكبر انهيار في إيرادات القناة منذ عقود، بينما تتصاعد الديون الخارجية وتنهار العملة المحلية.
فشل استراتيجي.. لا أحد خطط لمواجهة التحديات
حين اشتدت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، سارعت شركات الملاحة العالمية إلى تغيير مسارها نحو طريق رأس الرجاء الصالح.
المتوقع من أي دولة تحترم نفسها أن تتحرك بخطة:
- تحفيزية للأساطيل
- ضمانات تأمينية
- إجراءات أمنية قوية
- تحالفات إقليمية للحفاظ على الملاحة
لكن نظام السيسي ظل صامتًا وعاجزًا، يراقب الانهيار دون رد فعل، كما لو أن القناة ليست أحد أعمدة الاقتصاد المصري.
بل الأسوأ، أن الحكومة استمرت في نشر أكاذيب عن “صمود القناة” و”نجاح استراتيجية التطوير”، بينما كانت الإيرادات تتهاوى.
من صندوق الشعب إلى صندوق السيادي.. القناة في قبضة غير وطنية
لا يمكن تجاهل أن الانهيار الحالي يأتي بعد سلسلة من محاولات السيطرة على قناة السويس عبر الصندوق السيادي، الذي يعمل في الظل بلا رقابة حقيقية.
فقد تم:
- محاولة تمرير قانون يجيز بيع أصول القناة أو تأجيرها
- نقل تبعية مشاريع المحور الاقتصادي إلى الصندوق السيادي
- استخدام القناة كضمان لقروض وديون خارجية
وهو ما أثار موجات غضب شعبي ورفض واسع، أجبر النظام على التراجع مؤقتًا. لكن الرغبة في خصخصة القناة أو رهنها لا تزال قائمة، والضربات التي تتلقاها القناة اليوم قد تكون تمهيدًا لتبرير نقل إدارتها أو أجزاء منها إلى شركاء أجانب تحت ذريعة “إنقاذها”.
خدمات شكلية وفساد خفي: حين يُساق المواطن كحائط صد
يحاول الفريق أسامة ربيع تلميع الصورة بإعلانه تقديم خدمات لأهالي الإسماعيلية وبورسعيد، من صحة وتعليم ورياضة، في محاولة للقول إن القناة ما زالت "تفيد الناس".
لكن الحقيقة أن هذه الخدمات:
- غير مؤسسية
- لا تخضع لرقابة مستقلة
- تُستخدم كأداة دعائية لإخفاء الفشل المالي والإداري
بل الأدهى، أن موازنة الهيئة نفسها لا تُعرض على البرلمان بشفافية، ويتم إدارتها بشكل شبه عسكري، بعيدًا عن أعين الشعب.
من مشروع وطني إلى ورقة في يد الفشل
قناة السويس، التي شُيّدت بدماء المصريين، وقاومت الاحتلال، وأُعيدت للسيادة الوطنية بعد معارك سياسية وشعبية كبرى، تتحول اليوم في عهد السيسي إلى أصل منهار، فريسة للإهمال، وسلعة معرّضة للبيع.
السيسي الذي أهدر المليارات على تفريعة بلا جدوى، وعجز عن حماية القناة وقت الأزمات، يثبت من جديد أنه لا يملك مشروعًا وطنيًا حقيقيًا، بل مجرد خطاب إعلامي فوق أطلال وطن يُنهب كل يوم.
انهيار القناة ليس قدرًا.. بل نتيجة نظام لا يعرف إلا الدمار
انهيار إيرادات قناة السويس بهذا الشكل جريمة اقتصادية لا تُغتفر، وعلى الشعب أن يُدرك أن ما يحدث ليس قدرًا محتومًا، بل هو نتيجة طبيعية لحكم الفرد، وغياب الرقابة، وإدارة البلاد كأنها مزرعة خاصة تُدار بالأوامر لا بالخطط.
قناة السويس كانت رمز السيادة… واليوم أصبحت شاهدًا على انحدار دولة بأكملها تحت نظام لا يُجيد إلا إنتاج الأزمات وتزييف الوعي.

