في خطوةٍ استفزازية تُعد واحدة من أخطر مؤشرات تصاعد النزعة الدينية القومية المتطرفة في إسرائيل، أقدم وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير على اقتحام باحات المسجد الأقصى المبارك، فجر اليوم، وسط حمايةٍ أمنيةٍ مشددة من قوات الاحتلال، مطلقًا تصريحات علنية دعا فيها إلى احتلال قطاع غزة بالكامل، وفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وتهجير الفلسطينيين.
خطوة بن غفير تأتي في وقتٍ تشهد فيه الساحة الفلسطينية تصعيدًا عسكريًا في غزة، وتضييقًا في الضفة الغربية، وسط عجزٍ دوليٍ وعربيٍ عن احتواء الانفجار الذي يبدو وشيكًا.
اقتحام متعمد ورسائل خطيرة
في مشهد استفزازي ومتكرر، دخل بن غفير المسجد الأقصى من جهة باب المغاربة، يتقدمه عناصر القوات الخاصة الإسرائيلية، وترافقه شخصيات يمينية متطرفة من حزبه "القوة اليهودية". لم يكن الهدف مجرد زيارة شكلية، بل تأكيدٌ سياسيٌ مباشر على أن الأقصى، وفق رؤيته، "تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة".
قال بن غفير أمام وسائل الإعلام:
"عدنا إلى جبل الهيكل، وسنثبت أن هذا المكان لنا، وسنُعزز سيادتنا فيه بالقوة. غزة يجب أن تُحتل، ويجب طرد الإرهابيين، وفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية."
بهذه الكلمات، أعاد بن غفير إحياء خطاب الترانسفير والضم والاستيطان، ووجه رسالة تحريضية واضحة على الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية في القدس.
الرسالة السياسية: نكبة جديدة تحت عباءة "السيادة"
تحمل تصريحات بن غفير بعدين خطيرين:
تحريض علني على تهجير سكان غزة بالكامل، وهو خطاب تطهيري لطالما كان يُقال همسًا في أروقة اليمين الإسرائيلي، لكنه اليوم يُقال جهارًا من قلب الحكومة.
الدعوة العلنية لضم الضفة الغربية وفرض القانون الإسرائيلي عليها، ما يعني دفن "حل الدولتين" نهائيًا، وفرض واقع دولة أبارتهايد لا يخضع فيه الفلسطينيون لأي سيادة ذاتية.
حكومة أقصى اليمين: هل أصبحت التهديد الأول للأقصى؟
منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو، بالشراكة مع بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، تحول الخطاب السياسي الإسرائيلي إلى خطاب ديني استيطاني متطرف، يهدف صراحة إلى:
تكثيف الاقتحامات اليومية للأقصى.
فرض التقسيم الزماني والمكاني للمسجد المبارك.
تمهيد الطريق لهدم المسجد وبناء "الهيكل المزعوم"، وفق الأيديولوجيا الدينية التي يتبناها هؤلاء الوزراء.
فقد أصبح المسجد الأقصى مسرحًا للسياسة الإسرائيلية الداخلية، حيث يستخدمه الوزراء المتطرفون لكسب دعم الشارع اليميني، على حساب الفلسطينيين ومقدساتهم.
الموقف الفلسطيني: تحذير من "نكبة ثانية"
ردّت الفصائل الفلسطينية بحدة، حيث قالت حماس في بيان عاجل:
"ما يقوم به بن غفير يُعد إعلان حرب دينية على الشعب الفلسطيني، وسيدفع ثمنه الاحتلال كاملًا."
أما الجبهة الشعبية فقد دعت إلى تصعيد المواجهة في الضفة وغزة، واعتبرت ما يحدث:
"استكمالًا لخطة تهويد القدس وطرد الفلسطينيين."
وفي القدس، خرجت مظاهرات شبابية رافضة لاقتحام بن غفير، وتعرّض عدد من المتظاهرين للضرب والاعتقال.
ردود الفعل العربية والدولية: الشجب المعتاد
كالعادة، اكتفت العواصم العربية بـ"الإدانات الرسمية" دون أي إجراءات حقيقية. فقد استدعت الأردن السفير الإسرائيلي واعتبرت التصرفات "استفزازًا خطيرًا"، فيما أصدرت السعودية ومصر وقطر بيانات تنديد، لم تتجاوز حدود "القلق البالغ".
أما الولايات المتحدة، فدعت جميع الأطراف إلى "ضبط النفس"، رافضة إدانة صريحة لاقتحام بن غفير، في ظل استمرار دعمها غير المشروط لحكومة نتنياهو.
اللافت، أن المواقف الغربية الشعبية جاءت أكثر صرامة؛ فقد شهدت مدن أوروبية مظاهرات تطالب بوقف تهويد القدس وإنهاء الدعم غير المشروط لإسرائيل.
نحو تهويد كامل أم انتفاضة جديدة؟
ما يجري حاليًا يُعيد إلى الأذهان مقدمات انتفاضة الأقصى عام 2000، حين اقتحم أريئيل شارون باحات الأقصى، ما فجّر الغضب الفلسطيني لعقدٍ كامل.
لكن اليوم، المعطيات أكثر خطورة:
الحكومة الحالية أكثر تطرفًا من حكومة شارون.
البيئة الدولية أكثر تواطؤًا.
الانقسام الفلسطيني الداخلي يضعف الرد الجماعي.
الخطاب الإسرائيلي أصبح علنيًا في تطهير الفلسطينيين وضم أراضيهم.
الضم الزاحف: كيف تسير إسرائيل نحو فرض "إسرائيل الكبرى"؟
خلال السنوات الثلاث الماضية، عملت حكومة الاحتلال على فرض الأمر الواقع:
الضفة الغربية: زيادة وتوسيع المستوطنات بنسبة تفوق 60% عن الأعوام السابقة، مع تشريعات لضم مناطق (ج) بشكل فعلي.
القدس: تسارع تهجير العائلات المقدسية في الشيخ جراح وسلوان، ومنع البناء الفلسطيني.
غزة: تشديد الحصار، وتجويع السكان، وإضعاف الإعمار، ثم الآن الحديث عن "احتلال كامل" و"نقل السكان".
ما يُخطط له، وفق مراقبين، هو تحقيق نكبة جديدة بنكهة قانونية وأمنية ودينية.
في النهاية فإن زيارة بن غفير لباحات المسجد الأقصى، ودعوته لاحتلال غزة وضم الضفة، ليست مجرد تصرفات فردية من وزير متهور، بل تعبير واضح عن سياسة رسمية ممنهجة للحكومة الإسرائيلية، تستهدف:
إلغاء أي أفق لحل الدولتين.
تكريس إسرائيل كدولة يهودية ذات طابع ديني متطرف.
تطهير الأراضي الفلسطينية من سكانها الأصليين عبر القوة والتشريع.
ومع صمت العالم، وتخاذل الأنظمة الرسمية العربية، فإن القدس والمسجد الأقصى يُواجهان واحدة من أخطر المراحل في تاريخهما المعاصر.