منذ السابع من أكتوبر 2023، اليوم الذي دوّى فيه صوت الرصاص والصواريخ من غزة ليهز أركان الكيان الصهيوني، انطلقت معركة "طوفان الأقصى"، التي لم تكن فقط مواجهة عسكرية، بل زلزالاً نفسياً وسياسياً ضرب عمق الجبهة الداخلية للاحتلال.
واليوم، وبعد مرور أكثر من عام وتسعة أشهر من القتال، تكشف الأرقام والإحصائيات عن جانب مظلم يتعاظم داخل صفوف الجيش الإسرائيلي وهو انتحار الجنود.
7 حالات انتحار في يوليو وحده.. المقاومة ترصد ارتباك العدو
رغم التعتيم الإعلامي المتعمد، أفادت صحيفة "هآرتس" العبرية، وإذاعة جيش الاحتلال، أن سبعة جنود صهاينة انتحروا خلال شهر يوليو فقط، ليصل العدد الإجمالي منذ بداية المعركة إلى قرابة 50 جنديًا انتحروا خلال 10 أشهر. بعضهم من عناصر النخبة والوحدات القتالية، والآخرون من الاحتياطيين الذين أُجبروا على الخدمة لأكثر من 300 يوم متواصل.
أحد أبرز الحالات كان الجندي "روي فاسرشتاين"، الذي خدم في الاحتياط لمدة عام تقريبًا، ثم أنهى حياته فور خروجه، في مشهد يلخص المأساة النفسية التي يتعرض لها جنود الاحتلال في مواجهة حرب غير معتادة.
المقاومة: "قتلنا أرواحهم قبل أن نُسقط أجسادهم"
تُدرك فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها كتائب الشهيد عز الدين القسام وسرايا القدس، أن المعركة لا تُخاض فقط بالبندقية والصاروخ، بل عبر الحرب النفسية. وقد نجحت المقاومة في إشعال النيران داخل نفوس الجنود، حتى أولئك الذين يعودون لأسرّتهم في تل أبيب وحيفا، إذ لا يتركون معهم الجراح فقط، بل الكوابيس أيضًا.
العمليات النوعية، كمجزرة "العين الثالثة" في كيبوتس باري، أو تفجير آليات الميركافا بالصواريخ الموجهة، أو حتى الاشتباكات في أنفاق خان يونس، لم تكن لتمر مرور الكرام. الجندي الإسرائيلي الذي لم يقتل في غزة، يعود مصابًا بانهيار عصبي، أو لا يعود أبدًا… سوى محمولًا على النعش أو منتحرًا في الحمّام.
تحوّل الانتحار إلى مؤشر استراتيجي لفشل الاحتلال
المقاومة الفلسطينية ترى أن هذا الارتفاع غير المسبوق في نسب الانتحار بين جنود الاحتلال هو علامة لا تقل أهمية عن الخسائر المادية والعسكرية، فمعنى أن يختار الجندي إنهاء حياته بدلًا من العودة إلى الميدان هو أن الميدان أصبح جحيمًا نفسيًا لا يُحتمل.
وهو ما أكده أحد قادة كتائب القسام في تسجيل صوتي سُرّب مؤخرًا: "نحن لا نريد فقط أن نكسر سلاحه.. بل أن نكسر إرادته. هذا الجندي الذي ارتدى بزته قبل شهور بنشوة، صار يتوسل ألا يُستدعى من جديد. هذه ليست خسائر… هذه بداية النهاية لجيش يُهزم أمام شبح الأنفاق".
إعلام العدو ينهار.. وصوت المقاومة يعلو
من الملاحظ أن الإعلام العبري يُحجم عن تغطية تفاصيل حالات الانتحار، ويحاول تقديمها على أنها "ظروف نفسية فردية". ولكن التسريبات تشير إلى أن القيادة العسكرية تتخوف من فتح هذا الملف، لأنه يمثل اعترافًا صريحًا بأن الروح القتالية للجنود قد تآكلت.
في المقابل، تبثّ المقاومة رسائلها إلى المجتمع الصهيوني عبر الوسائل المتاحة، سواء البيانات اليومية أو الفيديوهات التي تنشرها الأذرع العسكرية، والتي تُظهر بطولات عناصرها، وكيف يهرب الجنود ويصرخون تحت الرصاص.
الاحتلال يفشل في إدارة الأزمة النفسية داخل جيشه
رغم أن جيش الاحتلال هو من أكثر الجيوش تدريبًا على التعامل النفسي، إلا أن طبيعة المعركة، والتورط في جرائم ضد المدنيين من أطفال ونساء، جعل كثيرًا من الجنود يعيشون حالة ما بعد الصدمة، وهذه الحالة، حسب تقارير طبية داخلية، لا تُعالج بل تُخدر فقط مؤقتًا.
المقاومة تعي ذلك جيدًا. فمع كل عملية قنص جندي، أو إسقاط طائرة، أو تدمير دبابة، لا تقتصر الغنيمة على السلاح فقط، بل تمتد إلى تخريب بنية العقيدة العسكرية التي طالما تغنت بها إسرائيل.
انتحار الجنود… انهيار الثقة في القيادة العسكرية
من الملاحظ، أن أغلب المنتحرين هم من جنود الاحتياط الذين خدموا فترات طويلة دون تعويض أو دعم نفسي. وهؤلاء يشكلون العمود الفقري للجيش خلال الحروب الممتدة. ومع تصاعد حالات الانتحار، تتعالى الأصوات داخل الكيان تطالب بوقف الاستدعاء، وهو ما تراه المقاومة انتصارًا صافيًا لا يُقاس بالأرقام، بل بالنتائج النفسية.
وقد أشار قادة ميدانيون في القسام إلى أن بعض الجنود انهاروا فورًا لحظة وقوعهم في الكمائن، وتركوا سلاحهم بلا قتال، وهذا مؤشر على تداعي معنوي شديد.
تحليل استراتيجي: هل يكفي القتال لتحقيق النصر؟
المقاومة اليوم لا تقاتل جيشًا فقط، بل دولة تترنح على كافة المستويات: السياسية، الاقتصادية، النفسية. وإن كانت المعارك في الميدان سجالًا، فإن المعركة النفسية تميل بوضوح لصالح فصائل المقاومة. إذ لم يسبق أن شهد جيش الاحتلال هذا المعدل المرتفع من الانتحارات، في أي من حروبه السابقة.
بل إن بعض المحللين الصهاينة باتوا يتساءلون صراحة:"هل نملك جيشًا يستطيع مواصلة القتال عامًا آخر؟ أم أننا نجهّز له نعشًا من الداخل؟".
وهو ما رد عليه أحد قادة المقاومة قائلًا: "سندفنكم في أوهامكم، قبل أن ندفنكم في الميدان".
وفي النهاية فإن المقاومة تراهن على الإنسان.. والاحتلال يخسر جنوده قبل المعركة، ففي معركة "طوفان الأقصى"، لا يمكن أن يُقاس النصر بعدد الصواريخ أو الشهداء فقط. بل في هذه الحرب، يتكشّف النصر الحقيقي في تفكك الجيش الصهيوني من داخله، وتآكل معنويات جنوده، وتحولهم من محاربين إلى منتحرين.
وحين تصل مؤسسة عسكرية تملك ترسانة نووية إلى مرحلة تُخفي فيها انتحار جنودها خشية تدمير ما تبقى من ثقة، فاعلم أن المقاومة انتصرت.فالمعركة الحقيقية ليست في عدد الجثث… بل في الروح التي تحمل البندقية.والمقاومة لم تنتصر فقط، بل كسرت ظهر العدو من الداخل… والبقية تأتي.