في 28 يوليو 2025، عقدت الأمم المتحدة مؤتمرًا دوليًا بباريس تحت مظلة حل الدولتين، في محاولة دولية لإنقاذ حل سياسي يُراوح منذ عقود. لفت الغياب الكامل للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب وممثليه الأنظار، مما أثار تساؤلات عن موقفه من هذا المسعى الدولي. رفض ترمب الدعوة تكرر تمثيل خطاب تاريخي: لا دعم بلا شروط، ولا اعتراف بصيغة تُدين المقاومة أو تتجاهل الحق الفلسطيني الكامل.
ترمب سبق أن أعلن صراحة أن الولايات المتحدة قد لا تلتزم بحل الدولتين التقليدي، بل يفضل "ما يرضي الطرفين" – وهو تعبير فضفاض أتاح له إطلاق مشروع قدحي في البيت الأبيض إبان ولايته 2017: نقل السفارة إلى القدس والاعتراف الضمني بضم الجولان.
ترمب دعم خططًا، مثل "صفقة القرن"، تشترط على الفلسطينيين نزع السلاح، وإلغاء حق العودة، والتخلي عن القدس عاصمة، مقابل اعتراف رمزي بدولة فلسطينية مصغرة ومجزأة. هذه الشروط، بحسب ترمب، غير مقبولة بلا رؤية واضحة ومكاسب لبناء المستقبل.
اقتناعه بأن الأمم المتحدة "غير فعالة"
ترمب لطالما رأى أن الأمم المتحدة أصبحت منبرًا للضغط على إسرائيل وليس أداة لتحقيق السلام. المؤتمر المرتقب في نيويورك لم يقدم أي ضمانات سياسية فعلية، لذا رأى أن حضوره يُضفي شرعية لما يصفه "مسارًا مسمومًا".
الأفخاخ الإسرائيلية التي تقف حاجزًا أمام حل الدولتين
التنازل عن سيادة الأمن والسيطرة
الخطط المقترحة تدعي إقامة دولة فلسطينية مستقلة جزئيًا، لكنها تخضع لإشراف أمني إسرائيلي كامل. السلطة الفلسطينية لن تتمتع بقدرة فرض وجودها داخل الضفة أو القدس، والحدود ستكون مراقبة من قبل الاحتلال.
فرضية نزع السلاح الكامل لحماس
الشرط المركزي في أي حل هو تخلي المقاومة عن السلاح ونقل الجهاز الأمني إلى السلطة. هذا يُخنق أي قدرة فلسطينية على الدفاع عن نفسها أو مقاومة الاستيطان أو الاحتلال.
غياب الاعتراف بالحقوق الأساسية
ولا يأتي الاتفاق مع أي بند صريح يطلب القدس الشرقية عاصمة، أو حق العودة للاجئين، أو حتى رفع الحصار عن غزة كخطوة أولى.
ردود الفعل الدولية والعربية
الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي أعلنوا رفضهم للخطة الأميركية والإسرائيلية التي تقضي بنزوح الفلسطينيين أو تقسيم غزة، ورأوا في المقاطعة الأميركية تكرارًا لإهمال الحل الحقيقي.
بالإضافة،سكرتير عام الأمم المتحدة لم يذكر "صفقة ترمب" صراحة، لكنه أشار بشكل صريح إلى أن القدس وقضية اللاجئين يجب أن تُحل بناءً على القانون الدولي، وليس من خلف أبواب مغلقة.
نوايا ترمب الحقيقية: ولمصلحة من؟
ترمب اقترح سابقًا خطة تنطوي على سيطرة أميركية على غزة، وتسوية تعتمد على تهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار، وإعادة بناء غزة كمحمية استثمارية.
هذه المقترحات اعتُبرت من قبل محللين معارضين مظهرًا "تدمير عملي لفكرة الدولة الفلسطينية"، منها الاعتماد على تسييس المفردات أكثر من تقديم مسار سياسي حقيقي.
تفسير رفضه: الموقف يخدم إسرائيل وتهدّد مؤسسات السلام
ترمب صراحة يرى أن حل الدولتين الكلاسيكي بأن إسرائيل وقفت ضده، ولهذا رفض المؤتمر لأنه يعني هزيمة سياسية كتبت "لا تسوية قبل شروط إسرائيل الأمنية". منتقدوه وصفوه بأنه يحدد مسار معاد للفلسطينيين، يؤكد أن إسرائيل لا تريد حل على الإطلاق، بل تهدف إلى تثبيت احتلال دائم.
رسالة التمرد الأميركية
غياب ترمب من المؤتمر يُقرأ كتصريح صريح بأن الخطوات العملية يجب أن تأتي قبل الصياغة السياسية والصور الإعلامية. ترمب يرى أن شخصية سياسية تُساوم المقاومة على اسم الدولة غير مجدية من دون بناء اقتصادي وسيادة فعلية.
المراوغة الأميركية – مبادرات دون نتائج
المواقف الأميركية المتقطعة بين دعم شعاري وحضور سياسي ميداني محدود منذ عام 2020 ساهمت في إضعاف الثقة بخارطة الطريق. ترمب لم يعتدَّد حضورًا ماديًا حقيقيًا لحماية الحقوق الفلسطينية، بل خاطب مرة بمساومة (stop aid if no talks) ومرة بتعزيز علاقته بإسرائيل بغطاء تخفيض الوعود للسلام.
مقاطعة ترمب لمؤتمر حل الدولتين في نيويورك تحمل دلالة سياسية قوية إنه رفض رمزي لمسار دولي يرى إسرائيل كطرف موثوق يُعامل بالتسوية قبل الاعتراف بالحقوق الفلسطينية.
ومع تزايد اليأس من المؤتمر، يبقى السؤال: هل ستبقى التمثيلية السياسية مجرد غلاف لإخفاء الاحتلال الدائم؟ أم أن هناك من سيجرؤ على تحويل كلمات المؤتمر إلى واقع حقوقي، لا سياسي فقط؟