يواصل حلفاء واشنطن في الغرب، من كندا إلى فرنسا وبريطانيا، الدفع نحو الاعتراف بدولة فلسطينية، بينما يصرّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على دعم مطلق لإسرائيل، في ظل غياب واضح لأي رؤية مستقبلية لغزة.

بي بي سي تشير إلى أن أولى الإشارات لتوجه مختلف بشأن غزة ظهرت في طوكيو خلال نوفمبر 2023، عندما طرح وزير الخارجية الأمريكي آنذاك أنتوني بلينكن ما سُمّي بـ"مبادئ طوكيو" حول ما بعد الحرب. شملت هذه المبادئ: عدم تهجير الفلسطينيين قسريًّا، عدم إعادة احتلال غزة، عدم فرض حصار عليها، وأن تقود السلطة الفلسطينية الحكم مستقبلاً، دون دور لحماس.

رغم معارضة إسرائيل لهذه المبادئ، حاول بلينكن حشد دعم أوروبي وعربي لها. إلا أن إدارة ترامب تجاهلت هذه المبادئ فورًا، وسعت لخط بديل يعتمد بالكامل على التنسيق مع إسرائيل.

هذا الأسبوع، توافد الحلفاء الأوروبيون إلى مؤتمر في الأمم المتحدة بقيادة فرنسية-سعودية لإحياء حل الدولتين. شهد المؤتمر التزامات من باريس ولندن – ثم أوتاوا – بالاعتراف بدولة فلسطينية وفق شروط. إدارة ترامب قاطعت المؤتمر، واعتبرته "مسرحية دعائية"، مؤكدة أنها تفضّل جهودًا "واقعية" لوقف القتال.

لكن هذا الانقسام العلني بين واشنطن وحلفائها حول مستقبل غزة يثير تساؤلات حول مدى امتلاك إدارة ترامب لخطة حقيقية طويلة الأمد.

عند سؤال المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية تامي بروس عن رؤية الإدارة لمستقبل غزة، اكتفت بالإشارة إلى "أفكار جديدة" تُناقش مع الشركاء الإقليميين، دون تفاصيل. وتجنّبت الكشف عن مضمون الخطة، إن وُجدت.

 

"ريفييرا" غزة وخطط التهجير

في فبراير، أعلن ترامب نيّة بلاده تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، وهو مشروع تضمن تهجير السكان الفلسطينيين، ثم أُعيد وصفه لاحقًا بـ"الهجرة الطوعية". الخطة بدت غير واقعية، ومخالِفة للقانون الدولي، وتطلبت احتلالًا عسكريًّا إسرائيليًّا دائمًا.

الرفض العربي القاطع، خاصة من السعودية والخليج، دفع البيت الأبيض إلى إسقاط الخطة تدريجيًّا. ترامب وصفها لاحقًا بأنها "فكرة أحبّها البعض ورفضها آخرون"، في إشارة واضحة لرفض واسع في المنطقة.

الإدارة باتت تركز على الملفات الآنية، كإطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار، بينما أحال ترامب مسألة مستقبل غزة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مؤتمر صحفي مشترك مؤخرًا.

هذا يُظهر بوضوح تقاربًا تامًا بين مواقف الإدارة الأمريكية الحالية والحكومة الإسرائيلية. نتنياهو يعارض إشراك السلطة الفلسطينية في حكم غزة، وتسيطر قواته حاليًا على ثلثي القطاع. اليمين المتطرف في حكومته يدعو إلى طرد السكان الفلسطينيين وبناء مستوطنات يهودية دائمة.

إسرائيل والولايات المتحدة تحاولان فرض سيطرة على توزيع الغذاء داخل مناطق عسكرية مغلقة. بالتوازي، تدعم إسرائيل ميليشيات فلسطينية مناوئة لحماس. وفي ظل تفشي الجوع والمرض، تقول هيئة التصنيف الدولية للأمن الغذائي إن غزة تعاني من مجاعة متصاعدة. إسرائيل تُحمّل حماس والأمم المتحدة المسؤولية، رغم إعلانها تسهيل دخول المساعدات.

دول أوروبا تتابع بقلق متزايد. وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي وصف مشاهد الأطفال الذين يُقتلون أثناء سعيهم للحصول على المساعدات بـ"المرعبة". المجاعة باتت نقطة تحوّل أخلاقية دفعت دولًا أوروبية لتسريع الاعتراف المشروط بالدولة الفلسطينية.

لكن في غياب خطة دولية متماسكة للحكم والإغاثة، يبدو أن مستقبل غزة يواجه فراغًا استراتيجيًّا. بلينكن، منذ بداية الحرب، حاول إشراك دول عربية في خطة شاملة، تشمل إشراف السلطة الفلسطينية ومشاركة قوات عربية. وتدخل ثلاث مرات لفرض إدخال مساعدات، مهدّدًا بحجب السلاح عن إسرائيل.

على النقيض، إدارة ترامب كثّفت تسليح إسرائيل منذ يناير، دون ضغوط أو شروط.

مع ترك الولايات المتحدة موقع القيادة، بدأ الأوروبيون والخليجيون محاولة سد هذا الفراغ، عبر دعم السلطة الفلسطينية وإحياء جهود حل الدولتين، حتى دون توقيع أمريكي.

هذا النهج يكسر التقليد الغربي الذي كان يربط الاعتراف بالدولة الفلسطينية بانتهاء المفاوضات. للمرة الأولى، ينضمّ السعوديون إلى إعلان يدين حماس ويدعو لنزع سلاحها، ما يمنح هذا التحول زخمًا عربيًّا مهمًّا.

الآمال الآن معلقة على أن يقود الضغط العربي-الأوروبي ترامب نحو مسار دبلوماسي أكثر توازنًا، مع انعقاد جولة جديدة من المؤتمر في سبتمبر. لكن حتى اللحظة، تبقى مقعد القوة الكبرى شاغرًا.

https://www.bbc.com/news/articles/cly6rl6158no