شن الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، هجوماً لاذعاً على أوتاوا، وذلك بعد إعلان الحكومة الكندية نيتها الاعتراف رسمياً بدولة فلسطينية خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة المرتقبة في سبتمبر المقبل.
وكتب ترمب في منشور على منصته الخاصة "تروث سوشيال": "يا للهول! أعلنت كندا للتو دعمها لقيام دولة فلسطينية. هذا سيجعل من الصعب جداً علينا إبرام اتفاقية تجارية معهم. يا للهول!".
التصريح المفاجئ جاء بعد إعلان رئيس الوزراء الكندي، مارك كارني، في مؤتمر صحفي، أن بلاده ستمضي قدماً في الاعتراف بدولة فلسطين، معتبراً أن "الواقع على الأرض في غزة يجعل من خيار الدولة الفلسطينية ضرورة لا تحتمل التأجيل".
وأشار كارني إلى أن هذا التوجه قائم على التزامات واضحة من السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس، تشمل إصلاحات في الحوكمة، وتنظيم انتخابات عامة في عام 2026 تُقصى منها حركة "حماس" تماماً، إلى جانب أن تكون الدولة الفلسطينية المستقبلية "منزوعة السلاح".
وأضاف كارني أنه أجرى اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الفلسطيني، مشدداً على "أهمية احترام العملية الديمقراطية"، وعلى ضرورة إطلاق سراح جميع المحتجزين في قطاع غزة ونزع سلاح "حماس"، مع تأكيد التزام كندا بحل الدولتين.
تصعيد تجاري وسياسي متوقع
يأتي هذا التوتر وسط مفاوضات تجارية حساسة بين كندا والولايات المتحدة من أجل إبرام اتفاقية جديدة بحلول الأول من أغسطس. وفي ظل تهديدات ترمب السابقة بفرض رسوم جمركية تصل إلى 35% على الواردات الكندية غير المشمولة باتفاقية "نافتا"، فإن خطوة أوتاوا بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية قد تعرقل التقدم في تلك المفاوضات.
وعلى الرغم من وصف كارني للمحادثات الجمركية مع إدارة ترمب بـ"البناءة"، إلا أنه أقر بإمكانية عدم التوصل لاتفاق قبل الموعد النهائي.
اعتراف دولي متسارع بالدولة الفلسطينية
ويأتي الموقف الكندي في سياق زخم دولي متزايد تجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية، إذ سبقتها فرنسا بالإعلان عن نية الاعتراف، بينما صرحت بريطانيا بأنها ستتخذ الخطوة نفسها في الأمم المتحدة إذا لم يتوقف القتال في غزة بحلول موعد الجمعية العامة.
هذه المواقف تعكس تغيراً نوعياً في سياسة حلفاء إسرائيل التاريخيين، مدفوعاً بواقع إنساني كارثي في غزة، حيث حذرت جهات دولية من تفشي الجوع ووصول الأوضاع إلى حافة المجاعة، في ظل استمرار العمليات العسكرية والحصار المفروض على القطاع.
علاقات تجارية راسخة مهددة بالانهيار
وبينما تعتبر كندا الشريك التجاري الأكبر للولايات المتحدة، إذ تُقدَّر قيمة التبادل اليومي بين البلدين بأكثر من 3.6 مليار دولار كندي (2.7 مليار دولار أميركي)، وتوفر نحو 60% من واردات واشنطن من النفط الخام، و85% من وارداتها من الكهرباء، فإن توتر العلاقات قد يُحدث هزّة اقتصادية يصعب احتواؤها.
ترمب، المعروف بمواقفه الشعبوية المثيرة للجدل، أعاد تأكيد رغبته في تحويل كندا إلى "الولاية الأميركية رقم 51"، وهي مزحة سياسية طالما رددها، لكنها تعكس خلفية من التوتر المتكرر بينه وبين القيادة الكندية، وخاصة بعد فوز مارك كارني في الانتخابات الأخيرة.
ترمب: "كندا بحاجة لنا.. لا نحتاج منها شيئاً"
وفي تصريح آخر قبل لقائه بكارني في مايو الماضي، قال ترمب: "أرغب بشدة في العمل معه، لكنني لا أفهم شيئاً: لماذا ندعم كندا بـ200 مليار دولار سنوياً، ونوفر لها الحماية العسكرية مجاناً؟".
وتابع: "لسنا بحاجة لسياراتهم، ولا لطاقتهم، ولا لأخشابهم، ولا لأي شيء يملكونه، سوى صداقتهم التي نأمل أن نحافظ عليها دائماً، أما هم، فهم بحاجة لكل شيء منا".