في ظل المجاعة الكارثية والانهيار الإنساني غير المسبوق في قطاع غزة، حيث يموت الأطفال جوعًا وتفقد العائلات بيوتها ومقومات الحياة، تبرز مشاهد قوافل إماراتية تعبر المعابر تحت شعارات إنسانية برّاقة. لكن خلف هذه اللافتات، يتكشف واقع صادم: شاحنات إماراتية تدخل غزة فارغة، أو محمّلة بـ"رمزية إعلامية" لا تسمن ولا تغني من جوع.

بينما يرفع الإعلام الإماراتي شعار "فارس النبل 3"، تكشف تقارير مستقلة ومصادر مطّلعة وفيديوهات أن تلك القوافل التي تصل إلى قطاع غزة لا تحمل مساعدات حقيقية، أو أن غالبيتها تفقد محتواها في الطريق، دون أن تبدي الإمارات أي اعتراض أو محاولة لحماية المساعدات أو ضمان وصولها.

 

شاحنات بلا حمولة... والهدف: التصوير الإعلامي

في مشهد سريالي، رُصدت شاحنات إماراتية تدخل من معبر رفح وهي خالية من أي محتويات ذات صلة بالحاجات الإنسانية الملحّة في غزة. لا طعام، لا دواء، لا ماء، فقط شاحنات تتزين بالأعلام والشعارات، ثم تعبر الحدود تحت عدسات الإعلام الرسمي الإماراتي. الهدف هنا لا لبس فيه: صناعة صورة زائفة عن التضامن، لا تقديم المساعدة.

https://x.com/i/status/1949732046781202939

وبينما تروّج وكالة أنباء الإمارات (وام) لتقارير تُظهر أرقامًا ضخمة مثل "40,000 طن مساعدات" و"2,000 شاحنة"، يتساءل أهل غزة: أين هذه المساعدات؟ من استلمها؟ من استفاد منها؟ والجواب في الواقع الميداني واضح: غالبية هذه الشاحنات لم تصل فعليًا، أو وصلت فارغة، أو جرى نهبها دون تدخل يذكر من الإمارات.

 

قوافل النهب أم قوافل الغوث؟

في مايو 2025، أرسلت الإمارات قافلة مكوّنة من 103 شاحنات محمّلة بمواد غذائية ومساعدات إنسانية. لكن وفقًا لتقارير مستقلة (من صحيفة The Week الهندية)، لم يُسمح إلا لـ23 شاحنة فقط بالدخول، وتعرّضت 22 منها للنهب داخل مناطق تخضع للسيطرة الإسرائيلية. أما الشاحنة الوحيدة التي وصلت وجهتها، فكانت بلا أي حماية، وبدون أي تنسيق فعّال يضمن سلامة الشحنة.

فأين كانت الإمارات حينها؟ لماذا لم تحتج؟ لماذا استمرت في إرسال قوافل إعلامية رغم أن الطريق معروفٌ بأنه "منطقة حمراء" يتعرض فيها كل شيء للنهب؟

الإجابة المؤلمة هي أن الوصول الحقيقي للمساعدات إلى محتاجيها لم يكن يومًا هدفًا إماراتيًا. الهدف الوحيد كان التقاط صور لقوافل تسير في مشاهد مُصمّمة بدقة لوسائل الإعلام، لإظهار الإمارات كمنقذٍ، وهي في الحقيقة شريك في التواطؤ الصامت.

 

الإمارات... إنسانية انتقائية وتطبيع متسارع

لا يمكن فصل "فارس النبل 3" عن الخلفية السياسية الحقيقية التي تحرّك السلوك الإماراتي تجاه غزة. فمنذ اتفاقيات "أبراهام" في 2020، تسير الإمارات بسرعة نحو التطبيع الكامل مع إسرائيل، وتعمل بوضوح على تجميل صورتها أمام العالم العربي من خلال مشاريع دعائية في ساحات النزاع، أبرزها غزة.

يرى مراقبون أن "المساعدات" الإماراتية مجرد أداة ناعمة للترويج لسياسات تتناقض مع مصلحة الشعب الفلسطيني. فبينما ينهار القطاع تحت الحصار، لا تستخدم الإمارات نفوذها للضغط على إسرائيل من أجل فتح المعابر أو وقف العدوان، بل ترسل شاحنات خاوية في وضح النهار، وتكتفي بتقارير تُنشر في صحفها الرسمية.

 

الفلسطينيون: نُستغل في معركة الصورة

داخل غزة، لم يعد الناس يثقون في شعارات الدول العربية، وخصوصًا الإمارات. يتحدث السكان عن شاحنات "غريبة" تدخل مناطق معينة في الجنوب ثم تعود أدراجها دون أن تُفرغ أي حمولة، بل حتى دون التفاعل مع المؤسسات الإغاثية الحقيقية.

يقول أحد موظفي الإغاثة في خان يونس:"نرى الشاحنات تمر، نراها تخرج. لم يأتنا شيء منها. وعندما نسأل، يقولون إنها قوافل مساعدات من الإمارات. لكن لا أثر لها في الميدان. أين المساعدات؟ في الصور فقط؟"

 

نهج علاقات عامة لا إنقاذ

لم يكن مستغربًا أن تتجاهل الإمارات الرد على عشرات الأسئلة التي وجهها صحفيون حول طبيعة وحجم المساعدات، وآلية توزيعها، وضمان وصولها. الشفافية معدومة، والبيانات تصدر فقط عند الحاجة للترويج، لا عند الحاجة للتبرير أو الاعتذار.

وفي الوقت الذي تُمنع فيه آلاف الشاحنات الأخرى من دخول غزة – رغم أنها تابعة لجهات إنسانية أممية – تحظى الشاحنات الإماراتية بأولوية غريبة، لكنها لا تصل بشيء حقيقي. وهذا ما دفع البعض إلى التشكيك في وجود تنسيق مسبق بينها وبين سلطات الاحتلال، في إطار التطبيع المتسارع.

 

غزة لا تحتاج دعاية... بل مساعدات حقيقية

الشعب الفلسطيني في غزة لا يحتاج شاحنات مزينة بالأعلام تدخل فارغة وتعود لتُعرض في نشرة التاسعة على تلفزيون أبو ظبي. غزة لا تحتاج كاميرات توثق قافلة لا تفرغ شيئًا. غزة تحتاج دواءً، دقيقًا، ماءً نظيفًا، وخيامًا لعشرات الآلاف من العائلات المشرّدة.

لكن يبدو أن الإمارات فضّلت أن تدخل التاريخ من بوابة العلاقات العامة لا من بوابة الدعم الحقيقي. فبينما يموت الأطفال جوعًا، تبث الإمارات فيديوهات شاحنات تسير وسط الدمار، فقط لتقول للعالم: "نحن هنا". نعم، هنا لأجل الصورة، لا لأجل الناس.