اضطر مجلس إدارة جمعية دهميت النوبية بالقاهرة إلى إلغاء مؤتمر تضامني كان من المقرر عقده دعمًا لأسر عشرة مواطنين نوبيين محتجزين في السجون السعودية منذ عام 2019، وذلك بعد تلقي ضغوط من جهاز الأمن الوطني، في تطور جديد يعكس القيود المفروضة على الفعاليات التضامنية والحقوقية في مصر.
كان الهدف من المؤتمر، وفق ما أفاد به مصدر مطلع على التحضيرات، هو تعزيز الدعم الاجتماعي لأسر المحتجزين، الذين فقدوا عائلهم الرئيسي منذ خمس سنوات، بالإضافة إلى إطلاق مناشدات رسمية موجهة إلى عبد الفتاح السيسي، تطالبه بالتدخل لدى السلطات السعودية للإفراج عن ذويهم، إلى جانب صياغة طلبات استرحام جماعية تُقدَّم إلى الديوان الملكي السعودي.
خمس سنوات من الغياب.. ونداء مستمر
تأتي هذه الخطوة بالتزامن مع الذكرى السنوية الخامسة للأحكام الصادرة في يوليو 2020 عن القضاء السعودي بحق عشرة مصريين نوبيين، سبعة منهم من قرية دهميت، بالسجن لمدد تتراوح بين 10 و18 عامًا. وقد أُدينوا بتهم تتعلق بتنظيم فعالية دون ترخيص تحت عنوان إحياء ذكرى نصر أكتوبر، وذلك خلال ندوة أُقيمت بالرياض في 25 أكتوبر 2019.
ورغم مرور السنوات، لم تتوقف جهود الأهالي والناشطين النوبيين في المطالبة بإطلاق سراحهم، أو على الأقل ترحيلهم إلى مصر لقضاء بقية مدة العقوبة في وطنهم، حيث يمكن لأسرهم رؤيتهم بين الحين والآخر.
الأمن يتدخل: «البلد مش مستحملة»
يقول المصدر: «جدول المؤتمر كان بسيط جدًا، لا فيه هجوم ولا سياسة، كان كله يدور حول دعم الأسر التي تُركت بلا عائل منذ سنوات. الناس فقدت مصدر دخلها، وفي أطفال مش لاقيين أكل أو مصاريف مدارس، وكان هدفنا نساعدهم ونناشد السيسي يتدخل... لكن فوجئنا بضغط مباشر من الأمن الوطني على الجمعية لإلغاء المؤتمر، وقالوا البلد مش مستحملة».
يشير المصدر إلى أن فكرة المؤتمر لم تكن وليدة اللحظة، بل جاءت استكمالًا لمطالبات مستمرة بترحيل المحتجزين، بناءً على اقتراحات سابقة صدرت حتى من مسؤولين رسميين، بينهم مساعد وزير الخارجية، الذي طلب من الأهالي العام الماضي التقدم بطلبات استرحام فردية، الأمر الذي تطور لاحقًا إلى اقتراح بتنظيم حملة استرحام جماعية ضمن جدول أعمال المؤتمر الذي لم يُعقد.
وقفات بديلة.. ورفض مستمر
في ظل غياب الفعاليات الرسمية، لجأ أهالي قرية السيالة في مركز نصر النوبة بأسوان إلى تنظيم وقفة تضامنية عقب صلاة الجمعة، رفعوا خلالها صور المحتجزين وطالبوا السلطات المصرية والسعودية بالتدخل الإنساني. كانت هذه الوقفة بمثابة رسالة صامتة إلى كل من يعنيه الأمر، خاصة مع شعور الأهالي بأن القضية تُطوى تدريجيًا تحت ضغط الزمن والصمت الرسمي.
وأكد مصدر مطلع أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها إحباط محاولة تنظيم فعالية تضامنية مع النوبيين المحتجزين، إذ سبق أن رُفض طلب تقدم به عدد من المتضامنين لعقد مؤتمر مشابه في نصر النوبة، بحجة أن القضية "تخص القضاء السعودي" وأن "مصر ملهاش دعوة".
بين الإهمال الرسمي وانتظار الرأفة
المصدر ذاته أكد أن هدف المطالبات ليس الطعن في القضاء السعودي، بل التماس الرأفة الإنسانية والنظر إلى الوضع العائلي والاجتماعي للمحتجزين، الذين لم تُوجه إليهم أي تهم تتعلق بالإرهاب أو الإضرار بالأمن القومي.
ويتابع: «كل اللي طلبناه إنهم يقضوا محكوميتهم في مصر، زي ما بيحصل في اتفاقيات تبادل السجناء. حتى لو أهاليهم شافوهم مرة كل ست شهور ده يفرق. لكن على طول بيتقال لنا إن الحل الوحيد هو تدخل مباشر من السيسي».