في 22 نوفمبر 2012، تأسست جبهة الإنقاذ الوطني في مصر كتحالف سياسي يضم أحزابًا وحراكات سياسية ليبرالية ويسارية، وتبنت موقفًا معارضًا حادًا ضد الرئيس محمد مرسي.
وفي مثل هذه الأيام من عام 2013، أصدرت جبهة الإنقاذ الوطني بيانًا شهيرًا مهّد الطريق لانقلاب 3 يوليو على أول رئيس مدني منتخب، الدكتور محمد مرسي. مثّل البيان حينها حجر الأساس للشرعية البديلة التي تبنّتها المعارضة الليبرالية واليسارية، متحالفةً مع المؤسسة العسكرية، بحجة إنقاذ الدولة من الانقسام والانهيار. وبعد أكثر من 11 عامًا على البيان، يتساءل مراقبون ومعارضون: هل تحققت البنود التي طالبت بها الجبهة؟ أم أنها تحولت إلى غطاء لانفراد عبد الفتاح السيسي بالحكم ووأد التجربة الديمقراطية الوليدة؟
أبرز بنود البيان.. وعود بدولة مدنية وعدالة اجتماعية
تضمن بيان جبهة الإنقاذ الوطني الصادر في 1 يوليو 2013 عددًا من المطالب، من بينها:
- إقالة حكومة هشام قنديل وتشكيل حكومة "إنقاذ وطني".
- تشكيل لجنة لتعديل الدستور الذي أُقر في عهد الرئيس محمد مرسي.
- تحديد جدول زمني واضح لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
- ضمان حرية الإعلام والتعبير والتظاهر السلمي.
- تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وتحسين الأوضاع الاقتصادية.
وقد وقّعت عليه شخصيات بارزة مثل محمد البرادعي، حمدين صباحي، عمرو موسى، وغيرهم ممن انخرطوا لاحقًا في تحالف مع المؤسسة العسكرية.
السيسي في السلطة.. تراجع عن جميع المبادئ
منذ تولي عبد الفتاح السيسي السلطة رسميًا في 2014، عبر انتخابات شابها كثير من الجدل، وذلك بعد انقلاب عسكري في 2013 يرى محللون أن كافة مطالب جبهة الإنقاذ لم تُنفذ، بل جرى عكسها بالكامل.
الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية، قال إن "بيان الجبهة تحول إلى أداة شرعنة لانقلاب عسكري كامل على المسار الديمقراطي، ولم تحقق الجبهة شيئًا من وعودها، بل انخرط كثير من رموزها في دعم نظام قمعي لم يسبق له مثيل".
في السياق نفسه، أكد تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش عام 2024 أن "مصر تحت حكم السيسي شهدت تدهورًا كبيرًا في الحريات العامة، واعتقال أكثر من 60 ألف سجين سياسي، وتقييد الإعلام المستقل بشكل شبه كامل".
الاقتصاد.. من وعود التحسن إلى الانهيار
وعدت جبهة الإنقاذ بتحقيق عدالة اجتماعية وإنعاش اقتصادي، لكن الواقع جاء مختلفًا، فقد بلغ الدين الخارجي المصري 165 مليار دولار منتصف 2024، مقارنة بـ43 مليار دولار فقط في 2013، وفق تقارير البنك الدولي، كما ارتفع معدل الفقر إلى أكثر من 32% من السكان، حسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، رغم التوسع في مشاريع بنية تحتية "استعراضية" مثل العاصمة الإدارية الجديدة.
الدكتورة مها عزام، رئيس المجلس الثوري المصري، ترى أن "الانقلاب لم يكن حلاً للأزمات بل تعميقًا لها، واستُخدمت شعارات جبهة الإنقاذ كستار لإقامة نظام عسكري سلطوي".
الحريات والحقوق.. قمع بلا حدود
من أبرز مفارقات المرحلة ما أكده تقرير فريدوم هاوس لعام 2025، الذي صنف مصر ضمن الدول "غير الحرة" بدرجة 18/100 فقط، وقد تم تمرير عدد من القوانين المقيدة، مثل قانون الجمعيات الأهلية، وقوانين "مكافحة الإرهاب" التي تُستخدم لتجريم العمل السياسي المعارض.
وصرّح المحامي الحقوقي خالد علي أن "ما حذرت منه الجبهة من استبداد جماعة واحدة تحقق، لكن على يد العسكر وليس عبر صندوق الانتخابات".
تقرير مركز دراسات الوحدة العربية يشير إلى أن الانقلاب العسكري أجهض مسار الثورة الديمقراطية، وأدى إلى تراجع حاد في الحريات السياسية والاجتماعية، مع تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي دفعت ملايين المصريين إلى الفقر والبطالة
أصوات نادمة من الجبهة
عدد من رموز جبهة الإنقاذ أقروا ضمنيًا بفشل التجربة، فقد قال محمد البرادعي في تغريدة عام 2020: "ما بني على القوة لا يُنتج إلا مزيدًا من الاستبداد"، في إشارة ضمنية لانقلاب 3 يوليو، فيما أعلن حمدين صباحي في أكثر من مناسبة رفضه لقمع الحريات، رغم دعمه السابق للسيسي في انتخابات 2014.
أبرز التداعيات:
- تراجع مصر في مؤشرات الحريات وحقوق الإنسان، حيث صنفت منظمات دولية مصر ضمن الدول ذات الحريات المحدودة أو المنتهكة.
- زيادة الاحتقان السياسي والاجتماعي، مع استمرار موجات الاحتجاجات الصغيرة والمتفرقة رغم القمع الأمني.
- تدهور الوضع الاقتصادي مع ارتفاع الدين العام إلى أكثر من 100% من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع معدلات التضخم التي تجاوزت 30% في بعض السنوات.
- عزلة مصر دبلوماسيًا في بعض المحافل الدولية بسبب سجلها الحقوقي، رغم تحسن العلاقات مع بعض الدول الكبرى.
خلاصة المشهد.. انقلاب على المطالب باسمها
خلاصة المشهد، بحسب تقرير مركز الدراسات السياسية في جامعة لندن 2024، أن "جبهة الإنقاذ قدمت خطابًا ديمقراطيًا لكنه وُظف لتبرير إسقاط المسار الانتخابي، لينتهي الحال بمصر تحت نظام سلطوي عسكري يعادي كل ما طالبت به الجبهة ذاتها".
ومع استمرار تدهور الاقتصاد، وغياب الحريات، وتقنين القمع، تحوّلت ذكرى بيان جبهة الإنقاذ من وعد بالتغيير إلى لحظة تأسيس لنظام قمعي، تراه المعارضة المصرية اليوم سببًا رئيسيًا في تفتيت الحراك الديمقراطي وتشويه صورة الثورة المصرية داخليًا وخارجيًا.
تمر ذكرى بيان جبهة الإنقاذ هذا العام في ظل صمت من رموزها القدامى، وغياب المساءلة، وواقع أكثر قتامة من ذاك الذي انتقدوه في عهد مرسي، ووسط تراجع مؤشرات الحريات والاقتصاد، تتزايد التساؤلات في أوساط المعارضة: هل كانت الجبهة شريكة في الانقلاب أم مجرد أداة في يد من خطط له؟ وهل من أفق لتصحيح المسار أم أن قطار العسكرة مضى دون رجعة؟