شهدت مصر واحدة من أبرز اللحظات في تاريخها الحديث، بإعلان فوز الدكتور محمد مرسي، في مثل يوم 24 يونيو 2012، مرشح جماعة الإخوان المسلمين عن حزب "الحرية والعدالة"، كأول رئيس مدني منتخب في أول انتخابات رئاسية بعد ثورة 25 يناير، جاء هذا الإعلان بعد ترقب دام لأيام، وانطلقت الاحتفالات من ميدان التحرير إلى شوارع المحافظات، في مشهد عبر عن آمال عريضة حملها المصريون آنذاك نحو الحرية والديمقراطية.

 

رئيس من رحم الثورة

فوز محمد مرسي لم يكن مجرد انتصار انتخابي، بل حمل رمزية سياسية وشعبية عميقة، كونه أول رئيس مدني غير عسكري، يُنتخب في استحقاق ديمقراطي شهد نسبة مشاركة بلغت نحو 52 % من الناخبين، وصوت له ما يزيد عن 13.2  مليون ناخب، أي بنسبة 51.73 % مقابل 48.27% لمنافسه أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد مبارك.

وقد أتى مرسي من رحم ثورة يناير، بعد أن تصدر "الحرية والعدالة" نتائج الانتخابات البرلمانية التي سبقت الرئاسية، ما مثّل تعبيرًا عن المزاج الثوري الساعي لكسر هيمنة الدولة العميقة ومؤسسات الحكم العسكري.

 

إعلان من التحرير وتفاعل شعبي غير مسبوق

في ظهيرة يوم 24 يونيو، أعلن المستشار فاروق سلطان، رئيس اللجنة العليا للانتخابات، فوز مرسي في مؤتمر تلفزيوني حي، أعقبه مشهد تاريخي في ميدان التحرير، حيث ألقى مرسي خطابًا مرتجلًا من بين الجماهير أكد فيه أنه "خادم لهذا الشعب، لا سيدًا عليه"، مشيرًا إلى رفضه لأي امتيازات رئاسية ورفضه دخول القصر الجمهوري حتى يتم تطهيره من فساد النظام السابق.

وانتشرت مقاطع فيديو تظهر الآلاف وهم يهتفون "ارفع راسك فوق إنت مصري"، في مشهد عبر عن انتصار الإرادة الشعبية وكسْر سطوة الحكم العسكري لأول مرة منذ تأسيس الجمهورية.

 

دلالات سياسية ودستورية

من وجهة نظر عدد من الأكاديميين، كان فوز مرسي بداية لتحول محتمل نحو النظام الديمقراطي البرلماني، لولا تدخلات المجلس العسكري، الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية والمستشار السابق للرئيس مرسي، أكد أن "انتخابات 2012 كانت المرة الأولى التي تُعلي فيها الدولة المصرية من مبدأ السيادة الشعبية، قبل أن ينقض عليه الانقلاب".

كما يرى الباحث السياسي عمرو دراج أن "فوز مرسي أحرج المنظومة العميقة للدولة، التي ظنت أن الرئاسة ستؤول بسهولة لأحمد شفيق"، مشيرًا إلى أن الصراع مع مؤسسات الدولة بدأ منذ اليوم الأول بسبب رفض مرسي منح غطاء ديمقراطي لاستمرار الامتيازات العسكرية.

 

الإنجازات المبكرة رغم العقبات

رغم أن فترة حكم مرسي لم تتجاوز عامًا واحدًا، إلا أن مؤيديه يشيرون إلى عدة مؤشرات على بدايات إصلاح حقيقي، منها:

  • ارتفاع الاحتياطي النقدي من 15 مليار دولار في منتصف 2012 إلى 18.9 مليار في منتصف 2013.
  • خفض الدين الخارجي بنحو 2.5 مليار دولار وفق بيانات البنك المركزي في تلك الفترة.
  • زيادة إنتاج القمح المحلي بنسبة 30% تقريبًا، كجزء من خطة الاكتفاء الذاتي.
  • إطلاق عدة مشاريع قومية كأول مرحلة لمشروع "تنمية محور قناة السويس"، والتي جُمّدت بعد عزله.

الدكتور علاء عبد الظاهر، الباحث الاقتصادي في معهد التخطيط القومي، أكد أن "رغم قصر مدة حكم مرسي، فإن السياسات الاقتصادية الأولية كانت تتجه نحو العدالة الاجتماعية وخفض الدعم الموجه للأغنياء"، مضيفًا أن "الضغط الإعلامي والانقلابي أفشل أي إمكانية حقيقية للاستمرار".

 

انقلاب على إرادة المصريين

الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 لم يكن إلا نتيجة لفشل قوى الثورة المضادة في السيطرة على الرئيس المنتخب، حيث لعبت وسائل الإعلام المملوكة للدولة ورجال الأعمال دورًا محوريًا في تأليب الشارع، بمساندة من أجهزة الأمن التي تواطأت في تعطيل الخدمات وتأزيم الحياة اليومية.

وقد اعتبرت قوى دولية وحقوقية أن إزاحة مرسي مثلت "ردة ديمقراطية" حادة، منظمة "هيومن رايتس ووتش" وصفت عزله بأنه "نكسة خطيرة للانتقال الديمقراطي"، في حين أعلنت الرئاسة الأمريكية وقتها أن "الولايات المتحدة قلقة بشدة من التطورات في مصر".

 

إرث لا يُمحى

بعد مرور 13 عامًا على إعلان فوزه، ما زال محمد مرسي حاضرًا في ذاكرة قطاعات واسعة من المصريين كرمز للثورة والديمقراطية، خاصة بعد وفاته المفجعة في محبسه عام 2019، التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها "وفاة قد ترقى لجريمة قتل تعسفي بإهمال الدولة".

ويؤكد المعارض المصري يحيى حامد، وزير الاستثمار في حكومة مرسي، أن "الرئيس الشهيد هو أول وآخر رئيس جاء بصندوق الانتخابات، ودفع حياته ثمنًا لذلك".

في ذكرى إعلان فوز مرسي، يتجدد الحديث عن فرصة ضائعة لبناء ديمقراطية مصرية حقيقية، وبينما يرى خصومه أن التجربة فشلت، يصر مؤيدوه على أن الرجل لم يُمنح فرصة حقيقية، وأن مشروعه أُجهض مبكرًا على يد قوى داخلية وخارجية أرعبها مجرد نجاح رئيس مدني من رحم الثورة.

ووسط تعقيدات الواقع المصري الحالي، تبقى لحظة إعلان مرسي رئيسًا، نقطة مضيئة في تاريخ حلم الديمقراطية، التي ما زال كثيرون يرون أنها لم تُدفن، بل تنتظر فرصة جديدة للعودة.