صلاح عبد المقصود

- الحرية والعدالة يمتلك ثروة هائلة من الكوادر البشرية المتخصصة في كل مناحي الحياة درست أو عملت في الشرق والغرب وتحمل مشروعًا لنهضة الوطن

- الحملات الإعلامية على الإخوان أصبحت تحقّق نجاحًا ملحوظًا وتخصم من رصيدهم في ظلِّ العجز الحكومي والأوضاع الاقتصادية والأمنية المتردية!!

أثناء مشاركتي في أحد البرامج التليفزيونية سألتني مقدمة البرنامج: هل يمكن لحزب الحرية والعدالة أن يقدم تجربة قريبة من تجربة حزب العدالة والتنمية التركي؟

فقلت لها على الفور: الحرية والعدالة سيقدم تجربة أفضل من تجربة الحزب التركي إن سمح له بالعمل، ونجح في التغلب على قطّاع الطرق السياسيين، ذلك لأننا في مصر الآن نعاني البلطجة في الشوارع، والبلطجة في السياسة..

والنوع الأول من البلطجة ينعكس شرها على بعض أفراد المجتمع، أما النوع الثاني فإن شرها ينعكس سلبًا على المجتمع بأثره، لأنه يعوق التنمية، ويشل نهوض المجتمع.

وأضفت قائلاً: البلطجة في السياسة يمارسها اليوم عدد من النشطاء والسياسيين والمحللين، المنتشرين في العديد من الفضائيات والصحف، ولا يجدون من يتصدى لهم!

لقد قدّر لي الاهتمام بالتجربة التركية منذ الثمانينيات، حين كان حزب السلامة، برئاسة الراحل العظيم البروفيسور نجم الدين أربكان- رحمه الله- ثم حزب الرفاه، التي جاء بعد حل السلامة، وكنت أتابع التجربة التركية عن بعد، إلى أن تيسّر لي زيارة تركيا مطلع التسعينيات وتتابعت زياراتي بعد ذلك، وشاركت في العديد من الفعاليات، وزرت العديد من المؤسسات التي يديرها الحزب، وكانت النقلة الكبيرة التي حققها رجالات الحزب بنجاحهم في عدد من البلديات الكبرى، ومنها بلدية أسطنبول التي انتخب السيد رجب طيب أردوجان رئيسًا لها، واستطاع خلال سنوات قليلة أن يحقق لها بالتعاون مع رفاقه نهضة كبيرة لم تشهدها على مدى عقود.

ثم كان الانقلاب العسكري على التجربة الديمقراطية التركية عام 1997، وحل حزب الرفاه، وبروز حزبين إسلاميين جديدين أحدهما حزب الفضيلة برئاسة قوطان، وإشراف أربكان، والآخر العدالة والتنمية الذي أسسه رجب أردوجان وعبد الله جول ورفاقهما..

 وما أشبه مصر الآن بتركيا منذ عشر سنين.

الفساد المالي والإداري، الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، مشكلات المياه والكهرباء والنظافة، تآكل البنية التحتية، ازدياد معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، انخفاض قيمة العملة التركية وانعكاسه على مستوى المعيشة، أضف لذلك التناحر السياسي بين الأحزاب، والتلاسن الإعلامي بينها.

الهجوم الذي نراه اليوم على حزب الحريّة والعدالة المصري، تعرّض لمثله حزب العدالة والتنمية التركي.. كانت المحاولات المحمومة لإفشاله، التشكيك في سياساته وبرامجه، القصف الإعلامي المتواصل على قياداته وكوادره.

ومع ذلك صعد الحزب وحقق الكثير من الإنجازات، واستطاعت حكومته مضاعفة الدخل القومي لأربع مرات خلال السنوات العشر الأخيرة.

الذي يعرف تركيا ويكرّر زياراته لها سيلحظ تغييرًا كبيرًا، في الشكل والمضمون، سيلحظ تحسنًا كبيرًا في الاقتصاد، والعمران، في الشوارع والمرور، في النظافة والبيئة.

وأظن أن العدالة والتنمية سينجح خلال السنوات الخمس القادمة في نقل البلاد إلى آفاق جديدة من التقدم والازدهار.

أما من لم يزر تركيا، ويكتفي بمتابعتها من الخارج فسيلحظ حضورًا قويًّا على المستوى الإقليمي والدولي خلال العشرية الأخيرة، مقابل التآكل الكبير في الدور المصري، إقليميًّا ودوليًّا أيضًا!

أعود للسؤال الذي طرحته الزميلة الإعلامية، حول مدى إمكانية نجاح الحرية والعدالة في تحقيق نهضة مشابهة لتلك التي حققها العدالة والتنمية التركي، لأقول بكل ثقة أن التجربة المصرية ستكون أفضل بكثير من مثيلتها التركية لعدة أسباب من بينها:

* أن الحرية والعدالة يستند إلى المشروع الإصلاحي الذي بدأه مؤسس الإخوان المسلمين- الإمام حسن البنا- منذ 83 عامًا، وهو المشروع الذي يتسم بالشمول، ويسعى للنهوض بالروح والمادة، بالأخلاق والعمران، بالاجتماع والاقتصاد، بالسياسة والتعليم والصحة وغيرها.

* إن الحرية والعدالة يمتلك ثروة هائلة من الكوادر البشرية المتخصصة في كافة مناحي الحياة، ومن بين هؤلاء أعداد كبيرة درست أو عملت في الشرق والغرب، وكانت كالطيور المهاجرة، التي مشت في مناكب الأرض بعيدًا عن بيئة الاستبداد الطاردة، لكنها اليوم بدأت تعود، وهي محملة بآلاف المشروعات والأفكار التي تريد أن تخدم بها شعبها ووطنها.

* إن البيئة المصرية أكثر احتضانًا لمشروع النهضة الإسلامي، أكثر من البيئة التركية، وقد تجلى ذلك في الانتخابات البرلمانية والنقابية الأخيرة.

* إن الأحزاب المكايدة أو المناكفة للأحزاب الإسلامية، والتي تحاول تعويق المسيرة، وتأليب الرأي العام، هي أضعف بكثير من مثيلاتها التركية، الأمر الذي يصب في صالح نجاح مشروع النهضة الذي يتبناه الحرية والعدالة.

* إن المؤسسة العسكرية المصرية أفضل كثيرًا من مثيلتها التركية، فهي مؤسسة ليست علمانية، كما أنها ليست في خصومة مع التدين، وإن بدا ذلك من ممارسات بعض قياداتها التي حكمت خلال العقود الماضية، إلا أن ذلك لا ينسحب إلا على قلة قليلة من قادتها، وهي في رأيي في طريقها للتصالح مع توجهات المجتمع المصري الجديدة.

أسباب النجاح

في رأيي فإن نجاح الحرية والعدالة في تحقيق مشروعه لنهضة مصر يحتاج إلى عدة أمور منها:

* إدراك أهمية إشراك مؤسسات المجتمع في تبني المشروع، وأخص هنا الأزهر والكنيسة، ومعهما الأحزاب والمؤسسات الإسلامية، والشخصيات الفاعلة في المجتمع.

* حشد جهود المخلصين من الخبراء والأكاديميين، وأهل الفكر والرأي للمشاركة في مشروع النهضة، ولا ينسى الحرية والعدالة أنه دائمًا ما يكرر أن مصر بمشكلاتها الكثيرة، لا يستطيع تيار واحد أن ينهض بمسئولية إصلاحها.

* يحتاج الحرية والعدالة إلى الكثير من المبادرات، كما يحتاج إلى فتح ملفات الفساد المستشري في جنبات الدولة المصرية، حتى يقتنع الناس بأن الحزب جاد في مكافحة الفساد، واستخلاص حقوق المصريين المنهوبة من قبل حفنة من الفاسدين.

* تهدئة أجواء المنافسة السياسية مع الأحزاب الأخرى، التي شعرت بحقيقة حجمها في المجتمع فراحت تختلق المشكلات، وترفع الصوت عاليا كلما حدث خطأ هنا أو خلل هناك.

* كذلك لا بد للحرية والعدالة أن يعطي للإعلام قدرًا أكبر من الاهتمام، والتنبه لخطورة هذا الجهاز الهام الذي يستطيع تعويق المسيرة، أو إجهاض خطط الإصلاح التي يسعى الحزب لتنفيذها.

* وأرجو أن يدرك الحزب قضية هامة وهي: أن الهجوم الإعلامي الظالم كان يفيد الإخوان كثيرًا في الماضي، ويحقق لهم دعاية ضخمة، لو أنفقوا عشرات الملايين من الجنيهات ما حققوها.

أما اليوم فوضع الإخوان قد تغير، إذ أصبحوا القوة السياسية الأولى في البلاد، ومن هنا فقد رفعت عنهم مظلة المظلومية، التي كانت تجعل الناس يتعاطفون معهم.

لذا فالحملات الإعلامية على الإخوان أصبحت تحقق نجاحًا ملحوظًا، خصوصًا بين فئة المتعلمين والمسيسين، وتخصم من رصيدهم، في ظل العجز الحكومي، والأوضاع الاقتصادية والأمنية المتردية.

من هنا فلا بد من التوضيح الدائم، والرد القوي على حملات التشويه، وانتهاج سياسة الرد الحازم لا الدفاع المتواضع!

وأخيرًا الثقة في الله أولاً ثم في ما لدى الحزب من برامج طموحة يمكنها أن تقلع بمصر نحو النهوض والازدهار، وعدم التأثر بما يثيره المرجفون.

________________

[email protected]