د/ ممدوح المنير
يحاول البعض فى مصر إثارة مخاوف الشعب المصرى من تطبيق الشريعة الإسلامية التى هى على قائمة أولويات الأحزاب المصرية ذات المرجعية الإسلامية خاصة الحرية والعدالة والنور، وفى سبيل ذلك يحشدون آلتهم الإعلامية الضخمة فى تفزيع الناس من تطبيق الشريعة وتبغيضهم منها.
والعجيب أن هذه الإتجاهات خاصة الليبرالية منها والعلمانية عجز الكثير منها عن مخاطبة الجماهير أو إقناعهم بالفكر أو الإيديولوجية التى ينتمون إليها لعدم تواءمها مع ثقافة الشعب المصرى المتدين بطبعه.
ولأن الهجوم خير وسيلة للدفاع كما يقول نابليون بونابرت ، فقد فضّلوا أن يهاجموا الشريعة الإسلامية سواء بشكل مباشر أو بغير مباشر حتى يخفوا ضعف بضاعتهم و يصرفوا الناس عن الإسلاميين.
ونحن من جانبنا فى هذا المقال نحاول أن نفنّد دعواهم و زيفهم حول الشريعة الإسلامية، وسوف نركز على عدة شهادات قبطية وغربية تجاه الشريعة خاصة المتعلقة بموقف الإسلام من غير المسلمين، الذى يحاولون الآن حشدهم وتعبئتهم فى مواجهة الإسلاميين، رغم انهم لن تكون لهم سعادة و لا طمأنينة إلا في ظلال الإسلام.
بادىء ذى بدأ نحب أن ننوه إلى أن الشعب المصرى عبر تاريخه حرص فى غالبه الأعم على المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية و اعتبرها المصدر الرئيسى للتشريع الذى لا بديل عنه ، حتى دستور 23 الذى وضعته لجنة ضمت كافة الطوائف القبطية المصرية و حتى حاخامات اليهود المصريين حينها أتفقت اللجنة على أن الإسلام هو دين الدولة الرسمى ، و هو هويتها و المعبر عنها.
و ظل هذا هو الشعور السائد لدى معظم الأخوة الأقباط حتى أن مكرم عبيد الزعيم الوطنى القبطى الشهير قال حينها
( ونحن مسلمون وطنا, ونصاري دينا......اللهم اجعلنا نحن نصاري لك, وللوطن مسلمين ) .
و ظلت شهادات الأقباط المصريين تتوالى إحتفاءا بشريعة الإسلام فالمفكر الإسلامى الكبير د محمد عمارة كتب يقول فى الأهرام عدد 5 أكتوبر 2011 م ( ومع هؤلاء القادة والمفكرين الأقباط ـ العلمانيين ـ وقف العقلاء من رجال الأكليروس: فالأنبا يوحنا قلته ـ نائب البطرك الكاثوليكي يعلن: أوافق تماما أن أكون مصريا مسيحيا تحت حضارة إسلامية.. أنا مسلم ثقافة مائة في المائة.. أنا عضو في الحضارة الإسلامية كما تعلمتها في الجامعة المصرية تعلمت أن النبي صلي الله عليه وسلم ـ سمح لمسيحيي اليمن أن يصلوا صلاة الفصح في مسجد المدينة.. واذا كانت الحضارة الإسلامية تجعل الدولة الإسلامية تحارب لتحرير الأسير المسيحي وتعلي من قيمة الإنسان كخليفة لله في الأرض، فكلنا مسلمون حضارة وثقافة وإنه ليشرفني وأفخر أنني مسيحي عربي، أعيش في حضارة إسلامية، وفي بلد إسلامي وأساهم وابني مع جميع المواطنين هذه الحضارة الرائعة ) .
بل حتى البابا شنودة زعيم الكنيسة القبطية المصرية كان قد كتب فى الأهرام فى عدد6 مارس سنة 1985 م ( إن الأقباط في ظل حكم الشريعة الإسلامية يكونون أسعد حالا وأكثر أمنا، ولقد كانوا كذلك في الماضي، حينما كان حكم الشريعة هو السائد.. نحن نتوق الي أن نعيش في ظل لهم ما لنا وعليهم ما علينا.. إن مصر تجلب القوانين من الخارج حتي الآن، وتطبقها علينا ونحن ليس عندنا ما في الإسلام من قوانين مفصلة، فكيف نرضي بالقوانين المجلوبة ولا نرضي بقوانين الإسلام؟ ) .
كما أن للبابا شنودة كلمة متلفزة أمام الرئيس المصرى السابق أنور السادات موجودة على موقع اليوتيوب الشهير تحت عنوان (هذا هو الإسلام كما قالة البابا شنودة) ، و تعد من أروع ما قيل عن شريعة الإسلام و حمايتها و صيانتها للأقباط و طلب البابا أن يحكم الأقباط بها .
ونمضى فى إبحارنا فى مدى إحتفاء الأقباط بشريعة الإسلام فنجد أن هناك إستطلاع رأى قام به المركز القومى للبحوث الإجتماعية و الجنائية فى منتصف الثمانينات حول مدى تقبّل الأقباط لفكرة تطبيق الشريعة الإسلامية فى مصر ، فكانت إجابة 63% منهم أنهم يرحبون بذلك !! .
بل يكشف لنا إستطلاع رأى حديث نسبيا أجرته مؤسسة جالوب الأمريكية أجرى فى عامىّ 2006 و 2007 م و نشرته وكالة أنباء "أمريكا إن أرابيك" و جاء فيه ( أن أكثر من 90 بالمائة من الشعب المصري يؤيدون تطبيق الشريعة الإسلامية، وأن حوالي ثلثي المصريين يطالبون بجعل الشريعة المصدر الوحيد للتشريع !!.
وكشف الاستطلاع كذلك أن حوالي ثلثي المصريين (64 بالمائة) يعتقدون أن الشريعة الإسلامية يجب أن تكون المصدر (الوحيد ) للتشريع ، كما قال 97 بالمائة من المصريين إن الشريعة الإسلامية توفر العدالة للمرأة ، كما قال 85 بالمائة إن الشريعة تحمي الأقليات ‘ فى حين قال 96 بالمائة من المصريين من هذه الشريحة إن الشريعة الإسلامية تعزز من وجود نظام قضائي عادل ، وعبر 97 بالمائة من المصريين في هذه الفئة عن اعتقادهم أن الشريعة تحمي حقوق الإنسان و تعزز العدالة الإقتصادية و تقلل الجريمة فى المجتمع ).
نحن إذا أمام العديد من الشهادات التى تعلى من قامة الشريعة الإسلامية سواء كان من زعامات دينية و سياسية من الأقباط ، أو استطلاعات رأى غربية و مصرية كلها تجمع على أن الشريعة الإسلامية هى الخيار الأمثل و الأفضل لنهضة مصر و تحقيق الأمن الإجتماعى و الإقتصادى من وجهة نظر المواطنين سواء كانوا مسلمين أو أقباط.
حين تتأمل هذه الشهادات و تتمعن فيها سرعان ما تشعر بحالة من السلام و الإطمئنان النفسى لما تمثله هذه الشهادات من تناغم وانسجام بين نسيجىّ الشعب المصرى تحت ظلال الشريعة الإسلامية .
لكنّك بعد أن تفيق من حالة السلام النفسى هذه ، و تتفكر قليلا فيما تراه من حولك على شاشات التلفزة و على صفحات الجرائد للكم الهائل من الأكاذيب و الإفتراءات المقترنة بحالة الرعبنة التى تبثّ بين الناس لتحقيق مصالح أقلية إيديولوجية ترى فى شريعة الإسلام عدوا لها و إن أظهرت عكس ذلك ، فلسان الحال أبلغ كثيرا من لسان المقال .
العجيب أن الليبراليون و العلمانيون يحاولون جهدهم فى استقطاب أصوات الناخبين الأقباط فى مواجهة الإسلاميين ، بحجة أن العلمانية التى ينادون بها هى خير ضامن للحفاظ على حقوق الأقباط ، و هذا بالطبع إحتيال و تدليس فمن المعروف أن العلمانية فى معناها النظرى و العملى فى كافة الدول التى تطبقها تقوم على قاعدة المساواة التماثلية فى النص القانونى بحيث أنه يكون هناك قانون واحد يطبق على المجتمع بكامله للتحقيق المساواة بين كافة فئات المجتمع .
للوهلة الأولى قد تستشعر بمدى الحكمة فى هذا الطرح لكنك حين تسقطه على أرض الواقع و تتأمل فيه سرعان ما تشعر أن الأقباط هم الخاسر الأكبر من تطبيق ( قاعدة المساواة التماثلية ) فى النص القانونى الذى هو عماد العلمانية ، لأنه طبقا لهذه القاعدة القانونية لن يكون هناك مجال لقانون خاص ينظم شئون الأقباط فى مصر خاصة فى مجال الأحوال الشخصية لتعارضه مع التماثل القانونى الذى يجب أن يكون عليه كافة أفراد المجتمع .
و لأن أى نص قانونى حين إقراره لا بد أن يحوز على موافقة الأغلبية و التى فى مصر هى أغلبية مسلمة ، فلن يكون هناك قانون خاص للأقباط فى حالة إذا ما تم إلغاء المادة الثانية للدستور التى تنص على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع أو إعتماد العلمانية مرجعية للبلاد ، و سوف يصبح جميع الأقباط فى مصر مجبرين على تطبيق قانون الأحوال الشخصية الخاصة بالمسلمين و هنا سوف تحدث فتن و أزمات لا حصر لها .
وإذا قال البعض أن المرجعية العلمانية سوف تسمح للأقباط بالإحتكام لشريعتهم فى أحوالهم الشخصية ، فسوف نصبح أمام وضع أكثر سوءا ، لأن معنى هذا الطرح أن نسمح للأقلية أن تحتكم إلى شريعتها فى حين نقسى و نستبعد شريعة الأغلبية من المواطنين و هى الإسلام خاصة و أن الشريعة الإسلامية لا تتعلق بالأحوال الشخصية فقط كشريعة الأقباط بل تشمل كافة شئون الحياة ، و بالتالى فسوف ندخل المجتمع فى نفق أكثر إظلاما .
لذلك ليس أمام الجميع حفاظا على المجتمع متماسكا متجانسا متآلفا سوى أن تكون الشريعة الإسلامية هى أساس التشريع لأنها تقوم على تنوع النص القانونى فتعطى للأقباط كامل الحق فى الإحتكام إلى شريعتهم و قوانينهم الخاصة فى أمور العبادة و الأحوال الشخصية ، و فى نفس الوقت يحتكمون إلى الشريعة الإسلامية التى هى قانون الأغلبية فى مصر فى كافة شئون الحياة الأخرى.
ختاما لا بد أن ندرك أنه لا أمان و لا إستقرار و لا انسجام بين كافة أفراد المجتمع المصرى إلا فى ظلال الشريعة الإسلامية هكذا نقول و هكذا قال إخواننا الأقباط كما أسلفنا سابقا فهل من متعظ ؟!.
رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات و التنمية

