في تطور خطير يعكس تفاقم الأزمة السودانية، أمر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بفتح تحقيق عاجل في الانتهاكات المروعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في مدينة الفاشر، شمال دارفور.

 

القرار يأتي بعد تقارير موثقة عن مجازر جماعية، وعمليات اغتصاب ممنهجة، وهجمات متعمدة على المدنيين والبنية التحتية الطبية والإنسانية.

 

وفي ظل عجز المجتمع الدولي عن التدخل الحاسم، يلوح في الأفق خطر كارثة إنسانية قد ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.

 

"الدماء شوهدت من الفضاء": صور الأقمار الصناعية تفضح الفظائع

 

صرّح فولكر تورك، المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، بأن "بقع الدماء على أرض الفاشر صُوّرت من الفضاء"، في وصف صادم يعكس حجم المذبحة.

 

وأكد أن هذه الجرائم، التي تتنوع بين القتل الجماعي والاغتصاب والاختطاف، لم تكن مفاجِئة بل متوقعة، وكان بالإمكان منعها.

 

وأضاف: "ما يحدث هو واحدة من أخطر الجرائم في الصراع السوداني، ووصمة عار جديدة على جبين المجتمع الدولي".

 

قوات الدعم السريع: ماكينة قتل خارج السيطرة

 

تشير تقارير حقوقية إلى أن قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، تنفذ حملة ممنهجة لتطهير عرقي في الفاشر وضواحيها.

 

عمليات قتل مستهدف للمدنيين، اغتصابات جماعية علنية، اختطاف لأجل الفدية، ونهب واسع النطاق، كلها أصبحت سلوكاً يومياً لتلك القوات.

 

مسؤولون أمميون شبّهوا ما يجري بحملات الإبادة الجماعية التي شهدها إقليم دارفور في العقدين الماضيين.

 

عنف جنسي بلا هوادة: "مئات النساء والفتيات تعرضن للاغتصاب الجماعي"

 

صرّحت منى رشماوي من بعثة تقصي الحقائق أن مئات النساء والفتيات وقعن ضحية اغتصاب جماعي على يد قوات الدعم السريع، غالباً في الأماكن العامة وعلى طول طرق الهروب من المدينة.

 

وأشارت إلى أن هذه الانتهاكات تجري في ظل غياب كامل للمساءلة، وسط استخدام العنف الجنسي كسلاح حرب لترهيب السكان وتهجيرهم قسراً.

 

استخدام التجويع كسلاح: "سياسة خنق الفاشر"

 

اتهم السفير البريطاني، كومار آير، قوات الدعم السريع باستخدام "التجويع كسلاح"، عبر قطع الإمدادات الإنسانية، ونهب المخازن الغذائية، والهجوم على المرافق الصحية.

 

وأضاف أن هذه الممارسات لا تترك مجالاً للشك في أن هناك حملة منسقة تهدف إلى إبادة السكان أو تهجيرهم قسرياً، في انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني.

 

تواطؤ خارجي؟ الإمارات تحت المجهر

 

في تصريح غير مسبوق، اتهم السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، حسن حامد حسن، دولة الإمارات العربية المتحدة بدعم قوات الدعم السريع عسكرياً واستراتيجياً.

 

ورغم نفي الإمارات المتكرر لهذه المزاعم، فإن اتهاماً بهذا الحجم يفتح الباب أمام تساؤلات حول الجهات الدولية المتورطة في تأجيج الصراع لتحقيق مصالح اقتصادية وجيوسياسية.

 

نحو تحقيق العدالة: قرار أممي غير كافٍ؟

 

رغم أن القرار الذي صدر عن مجلس حقوق الإنسان يُعد خطوة مهمة، إلا أن مراقبين يرون أنه قد يكون متأخراً نسبياً، خاصة في ظل التدهور السريع للوضع الأمني والإنساني في الإقليم.

 

كما أن عدم توافق الدول على الفقرات المتعلقة بتوسيع صلاحيات بعثة تقصي الحقائق يثير مخاوف من تكرار سيناريو الإفلات من العقاب الذي أعقب مذابح دارفور الأولى.

 

الفاشر تحترق والعالم يراقب

 

مع فرار أكثر من 100 ألف شخص خلال أسبوعين فقط، وتواصل انقطاع الاتصالات عن المنطقة، تبدو الفاشر وكأنها محاصرة في فقاعة من الدماء والنسيان.

 

وفي ظل التخاذل الدولي، باتت الحاجة ملحة إلى تحرك جاد، ليس فقط لتوثيق الجرائم، بل لإيقافها فوراً، ومحاكمة مرتكبيها أياً كانت من يدعمهم أو يموّلهم.

 

فالسكوت اليوم، هو شراكة غير مباشرة في الجريمة.