بينما يتصاعد التوتر العسكري في محيط فنزويلا، يتجه المشهد الإقليمي نحو منعطف خطير مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتخاذه "قرارًا نوعًا ما" بشأن فنزويلا، بالتزامن مع بدء عملية عسكرية تحمل اسم "الرمح الجنوبي". ورغم ترويج الإدارة الأمريكية للعملية باعتبارها حملة ضد تهريب المخدرات، فإن غياب الأدلة، والتوسع العسكري غير المسبوق، ونشر حاملة الطائرات "جيرالد فورد" قبالة السواحل اللاتينية، كلها مؤشرات على نوايا قد تتجاوز بكثير "مكافحة المخدرات" وتفتح الباب أمام تدخل مباشر في شؤون فنزويلا، وربما أكثر.

 

ذريعة المخدرات.. غطاء لتدخل عسكري؟

 

جاء الإعلان الأمريكي عن "عملية الرمح الجنوبي" وسط ضبابية كاملة حول الأهداف الحقيقية للتحرك العسكري. فالولايات المتحدة شنت خلال أسابيع عدّة ضربات استهدفت قوارب في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ، زاعمة أنها تُستخدم في تهريب المخدرات، وأسفرت الضربات عن مقتل 76 شخصًا على الأقل. لكن حتى الآن، لم تُقدّم أي أدلة ملموسة تربط تلك القوارب بعمليات تهريب فعلية، ما دفع مراقبين دوليين إلى وصف العملية بأنها "حملة استعراض قوة" لا علاقة لها بمكافحة الجريمة المنظمة.

 

تصريحات ترامب: غموض أم تهديد مبطن؟

 

تصريح ترامب بأنه اتخذ "قرارًا نوعًا ما" بشأن فنزويلا زاد من حالة القلق والشك. فالرئيس الأمريكي، الذي لم يُعرف عنه الالتزام الدقيق بالدبلوماسية، ألمح إلى تحرك وشيك دون الكشف عن مضمونه، في وقت تتجه فيه الأمور نحو عسكرة كاملة للمنطقة. وقد أشار إلى "تقدم كبير" في ما يتعلق بوقف تدفق المخدرات من فنزويلا، دون توضيح طبيعة هذا التقدم أو مع من تم التوصل إليه، ما يجعل الأمر أشبه بتمهيد نفسي للرأي العام الأمريكي والدولي لعمل عسكري محتمل.

 

نشر حاملة الطائرات "جيرالد فورد": تصعيد لا لبس فيه

 

نشر حاملة الطائرات العملاقة "جيرالد فورد" قبالة سواحل أمريكا اللاتينية خطوة لا يمكن فهمها في إطار "مكافحة المخدرات" فقط. فهذه القدرات العسكرية عادة ما تُستخدم في النزاعات الواسعة أو التهديدات الإقليمية الكبرى، وليس لملاحقة قوارب تهريب صغيرة.

 

وبحسب تسريبات نقلتها شبكة CBS News، فإن خيارات عملياتية قدمها البنتاغون تتضمن تنفيذ ضربات جوية داخل الأراضي الفنزويلية، وهو ما يعزز المخاوف من أن تكون واشنطن تستعد للتدخل العسكري المباشر أو دعم عملية انقلابية لإسقاط نيكولاس مادورو.

 

رد كراكاس: تعبئة شاملة واستنفار عسكري

 

لم تنتظر الحكومة الفنزويلية طويلًا. فقد أعلنت كراكاس أنها نشرت جيشها "بكثافة" في مختلف أنحاء البلاد، بما في ذلك وحدات برية وبحرية وصاروخية، إلى جانب تعبئة الميليشيا البوليفارية – وهي قوة شبه عسكرية تتكون من مدنيين متطوعين وعسكريين سابقين.

 

الرسالة كانت واضحة: فنزويلا مستعدة للمواجهة، ولن تقبل بأي عدوان أمريكي تحت أي ذريعة. وقد وصف مادورو التحركات الأمريكية بأنها محاولة إمبريالية جديدة لإعادة السيطرة على موارد فنزويلا، وخاصة النفط، عبر القوة.

 

المجتمع الدولي يحذّر: التصعيد يهدد استقرار الإقليم

 

عدة دول في أمريكا اللاتينية، إلى جانب أطراف دولية مثل روسيا والصين، حذّرت من مغبة التصعيد العسكري الأمريكي في فنزويلا، معتبرة أن التدخل في شؤون الدول تحت ذريعة "مكافحة المخدرات" يعد انتهاكًا صارخًا للسيادة ولقواعد القانون الدولي. كما أعربت منظمات حقوقية عن قلقها من الأعداد الكبيرة للضحايا الذين سقطوا دون تحقيق مستقل أو دلائل على تورطهم في التهريب.
هل يشعل ترامب حربًا جديدة قبل مغادرته؟

 

في ظل ظروف داخلية متوترة في الولايات المتحدة، ومشهد عالمي مضطرب، لا يستبعد مراقبون أن يسعى ترامب إلى فتح جبهة خارجية لإعادة فرض حضوره السياسي أو لصرف الأنظار عن ملفات داخلية.
لكن اللعب بالنار في أمريكا اللاتينية ليس دون ثمن، ففنزويلا ليست معزولة، والاصطفافات الجيوسياسية الحالية قد تدفع المنطقة إلى صراع مفتوح تتجاوز عواقبه الحدود الفنزويلية.