تمرّ اليوم الذكرى السنوية الأولى على القبض على الشاعر والمعارض المصري–التركي عبد الرحمن يوسف القرضاوي، في واحدة من أكثر القضايا إثارة للقلق في ملف حقوق الإنسان بالمنطقة، لما تنطوي عليه من انتهاكات مركبة، تبدأ من توقيف تعسفي وتسليم قسري، ولا تنتهي عند الإخفاء القسري والعزل التام عن العالم الخارجي، وسط صمت رسمي ودولي يثير تساؤلات واسعة حول مصير المعارضين في المنفى.
في 28 ديسمبر 2024، أوقفت السلطات اللبنانية عبد الرحمن يوسف القرضاوي بناءً على طلب تسليم صادر عن دولة الإمارات العربية المتحدة، على خلفية ممارسته السلمية لحقه في حرية التعبير. ومنذ تلك اللحظة، تحولت القضية من إجراء قانوني محل نزاع إلى نموذج صارخ للقمع العابر للحدود، حيث جرى تجاهل واضح لمبادئ القانون الدولي والضمانات الأساسية لحقوق الإنسان.
قرار سياسي فوق القانون
رغم التحذيرات الحقوقية المحلية والدولية، ورغم غياب أي ضمانات حقيقية بشأن سلامة القرضاوي أو عدالة الإجراءات بحقه، اتخذ مجلس الوزراء اللبناني في 8 يناير 2025 قرارًا عاجلًا بتسليمه قسرًا إلى الإمارات. القرار، الذي وُصف بأنه سياسي بامتياز، مثّل انتهاكًا صريحًا لمبدأ عدم الإعادة القسرية، أحد الركائز الأساسية في القانون الدولي لحقوق الإنسان، والذي يحظر تسليم أي شخص إلى دولة يُحتمل أن يتعرض فيها للتعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية.
وفي محاولة أخيرة لوقف التسليم، تقدّم محامو عبد الرحمن بطعن أمام مجلس شورى الدولة، أعلى هيئة قضائية إدارية في لبنان. غير أن المسار القضائي انتهى في 23 أكتوبر 2025 بإبلاغ الدفاع بقرار المجلس رقم 43/2025–2026، الذي رفض الطعن وأضفى غطاءً قانونيًا على قرار التسليم، ما اعتبرته منظمات حقوقية تكريسًا للإفلات من المحاسبة وتغليبًا للاعتبارات السياسية على سيادة القانون.
تحذيرات أممية تجاهلتها السلطات
قبل تنفيذ التسليم بيومين فقط، وجّه خبراء الإجراءات الخاصة بالأمم المتحدة نداءً عاجلًا إلى الحكومة اللبنانية، عبّروا فيه عن مخاوف جدية من تعرض عبد الرحمن يوسف القرضاوي للتعذيب، وسوء المعاملة، والإخفاء القسري، والاحتجاز التعسفي، وانتهاك ضمانات المحاكمة العادلة، سواء في الإمارات أو في حال نقله لاحقًا إلى مصر. إلا أن هذه التحذيرات لم تلقَ أي استجابة فعلية، ما عزز الاتهامات بتواطؤ رسمي وتجاهل متعمد للالتزامات الدولية.
اختفاء خلف الستار
منذ لحظة تسليمه، انقطع الاتصال بشكل شبه كامل بين عبد الرحمن وأسرته ومحاميه. ولم يُسمح سوى بزيارتين عائليتين خاطفتين في مارس وأغسطس 2025، لم تتجاوز مدة كل منهما عشر دقائق، وفي مكان غير معلن، وتحت رقابة مشددة، دون أي معلومات رسمية عن مكان احتجازه أو وضعه القانوني. هذا الغموض المتعمّد دفع منظمات حقوقية إلى التأكيد أن ما يتعرض له القرضاوي يرقى إلى إخفاء قسري مستمر.
وتشير إفادات الأسرة إلى أن عبد الرحمن محتجز في ظروف قاسية، تشمل الحبس الانفرادي المطوّل، الحرمان من التريض، القيود المشددة على الزيارات، ومنعه من الاحتفاظ بكتبه ومتعلقاته الشخصية وحتى صور أطفاله. ووفقًا للأسرة، تسببت هذه الظروف في تدهور خطير في حالته النفسية، في ظل غياب أي رقابة مستقلة أو رعاية إنسانية ملائمة.
مسؤولية مشتركة وصمت مقلق
تؤكد المنظمات الحقوقية الموقعة على البيان أن المسؤولية عن هذه الانتهاكات لا تقع على عاتق السلطات الإماراتية وحدها، بل تمتد بشكل مباشر إلى السلطات اللبنانية التي نفذت التسليم رغم علمها المسبق بالمخاطر الجسيمة التي تهدد سلامته. وتحذر المنظمات من أن تسليم معارض يحمل جنسيتين (المصرية والتركية) إلى دولة ثالثة يشكّل سابقة خطيرة، تهدد سلامة المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في المنفى.
وفي السياق ذاته، يبرز القلق بشأن محدودية الدور العلني الذي اضطلعت به السلطات التركية، رغم أن عبد الرحمن يوسف القرضاوي مواطن تركي. وترى المنظمات أن هذا الغياب النسبي للدور الدبلوماسي الفاعل يفاقم من عزلة المحتجز، ويضعف فرص حمايته في مواجهة الانتهاكات الجسيمة.
مطالب واضحة ورسائل مفتوحة
في الذكرى الأولى للقبض على عبد الرحمن يوسف القرضاوي، جدّدت المنظمات الحقوقية مطالبها، داعية السلطات الإماراتية إلى الكشف الفوري عن مكان احتجازه ووضعه القانوني، وإنهاء احتجازه التعسفي والإفراج عنه فورًا، أو تقديمه لإجراءات قانونية عادلة تتوافق مع المعايير الدولية، فضلًا عن إنهاء الحبس الانفرادي والتحقيق في جميع الانتهاكات التي تعرض لها.
كما طالبت السلطات اللبنانية بفتح تحقيق مستقل وشفاف في ملابسات توقيفه وتسليمه، ومراجعة سياسات التسليم والترحيل، والامتناع عن الاعتماد على ما يسمى بـ«التأكيدات الدبلوماسية» غير الملزمة، التي أثبتت فشلها في حماية حقوق الإنسان.
أما السلطات التركية، فدُعيت إلى تكثيف جهودها الدبلوماسية والقنصلية، والمطالبة بزيارات منتظمة وغير مقيّدة، والحصول على معلومات موثوقة عن وضعه الصحي والنفسي، واستخدام جميع القنوات القانونية والدبلوماسية المتاحة لضمان حمايته.
قضية تتجاوز شخصًا واحدًا
لا تتعلق قضية عبد الرحمن يوسف القرضاوي بمصير فرد واحد فحسب، بل تكشف عن نمط متصاعد من التعاون الإقليمي في قمع المعارضين خارج الحدود، وعن هشاشة الحماية التي يفترض أن يوفرها القانون الدولي. وبعد عام كامل من الغياب القسري، يبقى السؤال مفتوحًا: إلى متى يستمر الصمت، ومن يحاسب المتورطين في هذه الجريمة المركبة؟
المنظمات الموقعة:
المنبر المصري لحقوق الإنسان (EHRF)
مؤسسة دعم القانون والديمقراطية (LDSF)
مركز النديم
الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (EIPR)
مركز الوصول لحقوق الإنسان (ACHR)
سيفيكوس (CIVICUS)
حقوقهم (Their Rights)
منا لحقوق الإنسان
هيومينا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية
ريد وورد لحقوق الإنسان وحرية التعبير (REDWORD)
مركز سيدار للدراسات القانونية (CCLS)
إيجيبت وايد لحقوق الإنسان (EgyptWide)
نجدة لحقوق الإنسان
المفوضية المصرية للحقوق والحريات (ECRF)
دفاتر مصر
المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان

