في اعتراف صادم يكشف حجم الكارثة الاقتصادية التي أوصلت إليها سياسات حكومة الانقلاب، فجّر الدكتور محمد معيط، المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي ووزير المالية السابق، قنبلة من العيار الثقيل، مؤكداً أن كل جنيه زيادة في سعر الدولار يحمل الموازنة أعباءً إضافية بقيمة 80 مليار جنيه، وأن فاتورة خدمة الدين قفزت بشكل جنوني لتصل إلى 2 تريليون جنيه (بعد أن كانت 480 مليار فقط في 2016).

 

هذه التصريحات ليست مجرد أرقام، بل هي "صك إدانة" رسمي لسياسة التعويم المستمر والاقتراض غير المحسوب. فالوزير الذي كان يوماً مهندس السياسات المالية، يعترف اليوم بأن انهيار العملة (الذي سوقته الحكومة كإصلاح) قد تحول إلى "ثقب أسود" يبتلع موارد الدولة، حيث تضاعفت الفوائد ثلاث مرات، ليصبح الاقتصاد المصري رهينة لتقلبات الدولار وفوائد الديون، بينما يدفع المواطن الثمن من لحمه الحي عبر التضخم وتآكل الخدمات.

 

"اقتصاد الاستدانة" وخطر الإفلاس الوجودي

 

تصف الدكتورة عالية المهدي، العميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، الوضع الحالي بأنه "كارثة مكتملة الأركان". فوفقاً لتحليلها للأرقام الرسمية، تلتهم خدمة الدين (أقساط وفوائد) ما نسبته 142% من إجمالي إيرادات الدولة، وهو رقم "فلكي" يعني عملياً أن الدولة مفلسة محاسبياً، وأنها تقترض ليس للاستثمار أو التنمية، بل فقط لسداد الديون القديمة.

 

وتحذر المهدي من أن استمرار هذا النهج (اقتراض 12-15 مليار دولار سنوياً) هو وصفة للانتحار الاقتصادي، مؤكدة أن الحكومة تغطي عجزها بجباية المزيد من الضرائب أو بيع الأصول، دون أي أفق لحل جذري للأزمة الهيكلية التي خلقتها سياسات "الإنفاق المظهري" وغياب الإنتاج الحقيقي.

 

خدمة الدين.. "سرطان" ينهش جسد الموازنة

 

من جانبها، ترى الدكتورة سالي صلاح، خبيرة التخطيط الاستراتيجي، أن المشكلة ليست فقط في حجم الدين، بل في كلفته الباهظة التي تجاوزت مرحلة الخطر لتصل إلى "عتبة الانهيار". وتشير إلى أن تخصيص 65% من الإنفاق العام لسداد الديون يعني تصفير مخصصات التعليم والصحة والاستثمار، وتحويل الموازنة العامة إلى "دفتر شيكات" لصالح الدائنين المحليين والدوليين.

 

وتؤكد صلاح أن تبريرات الحكومة بأن "الدين في الحدود الآمنة" هي تضليل للرأي العام، فالدين الذي يلتهم الإيرادات بالكامل ويجبر الدولة على الاقتراض لسداد الفوائد هو "دين خبيث" يدمر مستقبل الأجيال القادمة، ويجعل القرار الاقتصادي والسياسي للدولة مرهوناً للخارج.

 

المواطن هو الضحية في معادلة "الجباية والديون"

 

يعلق الخبير الاقتصادي الدكتور محمد فؤاد على تصريحات معيط بأنها تكشف الوجه القبيح للسياسة المالية، حيث يتم التضحية بالحماية الاجتماعية والخدمات الأساسية لسداد فاتورة الفشل في إدارة ملف العملة. ويرى فؤاد أن قفزة خدمة الدين إلى 2 تريليون جنيه تعني مزيداً من التقشف على الفقراء، ومزيداً من رفع أسعار السلع والخدمات لتعويض العجز.

 

ويشير فؤاد إلى أن الحكومة تستخدم "سعر الصرف" كشماعة لتعليق أخطائها، بينما الحقيقة هي أن التوسع في المشروعات غير ذات الجدوى الاقتصادية هو الذي استنزف الاحتياطي وأجبر المركزي على خفض الجنيه، ليدخل الاقتصاد في دوامة جهنمية من "تخفيض العملة - زيادة الديون - زيادة التضخم"، ويدفع المواطن وحده الفاتورة من قوت يومه ومستقبل أبنائه.

 

في المحصلة، تُجمع الآراء والتحليلات على أن اعترافات معيط هي "نعوة رسمية" لنموذج اقتصادي فاشل قام على الديون والخرسانة، وأدى في النهاية إلى رهن مصر للدائنين، وترك شعبها يواجه مصيراً مجهولاً أمام غول الغلاء والفقر.