على وقع استمرار آلة القتل الإسرائيلية في حصد أرواح الأبرياء بقطاع غزة، وتجاهل تل أبيب الفاضح لاتفاق وقف إطلاق النار الذي لم يجف حبره بعد، اشتعلت شوارع العواصم الأوروبية مجدداً بموجة غضب شعبي عارم. من ستوكهولم إلى مدريد، ومن لندن إلى باريس، خرج الآلاف في تظاهرات حاشدة لكسر "جدار الصمت" الرسمي، وفضح التواطؤ الغربي الذي يغذي آلة الإبادة، مطالبين بوقف فوري لتصدير السلاح وفرض عقوبات رادعة على الاحتلال، في مشهد يؤكد أن ضمير الشعوب لا يزال حياً، وأنه يسبق حكوماته بسنوات ضوئية في الانتصار للإنسانية.
هذا الحراك المتصاعد لم يعد مجرد رد فعل عاطفي، بل تحول إلى ضغط سياسي منظم يحاصر صناع القرار في القارة العجوز، ويكشف عن اتساع الهوة بين الشارع الذي يرى الحقيقة كما هي، وبين أنظمة لا تزال تبرر جرائم الحرب تحت ذريعة "الدفاع عن النفس" أو تكتفي ببيانات القلق الخجولة.
السويد: "لن نصمت حتى يتحقق السلام"
في العاصمة السويدية ستوكهولم، تحولت ساحة "أودينبلان" إلى منبر للحرية، حيث احتشد المئات السبت استجابة لنداء الضمير، رافعين الأعلام الفلسطينية وصور الأطفال الضحايا. الرسالة كانت واضحة وصريحة: "لا لبيع السلاح لقتلة الأطفال". المتظاهرون لم يكتفوا بالتنديد بالقصف، بل صوبوا سهام نقدعم نحو حكومتهم التي تواصل التعاون العسكري مع الاحتلال، مطالبين بوقف هذه "الشراكة في الجريمة".
الناشط السويدي روبن نيلسون، الذي تحدث للأناضول، عبر عن روح الإصرار التي تسري في عروق المحتجين، مؤكداً أن توقيع نتنياهو على الاتفاق لم يكن إلا مناورة تحت الضغط، وأن الواقع على الأرض لم يتغير. تصريحاته عن استمرار العصيان المدني حتى نهاية 2026 إذا لزم الأمر، تعكس وعياً عميقاً بأن المعركة طويلة، وأن الرهان على "أخلاق" الاحتلال خاسر، والحل الوحيد يكمن في إجباره عبر ضغط الشارع الدولي.
جنوب أوروبا: "اخرجوا الصهاينة".. صرخة من مدريد وروما
في إسبانيا، أخذ الحراك منحى أكثر تنظيماً وجذرية. مسيرة بلديات جنوب مدريد، التي شارك فيها نحو 2000 شخص، لم تكن مجرد وقفة تضامنية، بل محاكمة شعبية لسياسات الاتحاد الأوروبي. اللافتات التي طالبت بـ"طرد الصهاينة" و"إنهاء الاستعمار" تجاوزت سقف المطالب التقليدية، لتعيد القضية إلى جذرها كحركة تحرر وطني ضد احتلال استيطاني.
هذه المسيرات، التي امتدت إلى روما أيضاً، ركزت على مطلب جوهري وهو "إنهاء الإفلات من العقاب". المتظاهرون يدركون أن استمرار المجازر هو نتيجة مباشرة للحصانة التي يوفرها الغرب لإسرائيل، ولذا كان النداء بفرض عقوبات اقتصادية وتوسيع المقاطعة هو الرد العملي على "خطة ترامب" وغيرها من المشاريع التي تحاول تصفية القضية. إنه وعي شعبي يرفض أن تكون "اللامبالاة شريكة في الظلم"، ويصر على حق الفلسطينيين في المقاومة وتقرير المصير.
لندن وباريس: حصار السفارات وكسر التواطؤ
في قلب العواصم الكبرى، حيث تصنع القرارات، كان الصوت أعلى. لندن شهدت وقفات حاشدة ضمت طيفاً واسعاً من النشطاء الحقوقيين والجاليات العربية، موجهين انتقادات لاذعة للحكومة البريطانية التي لا تزال تمد إسرائيل بالدعم السياسي والغطاء الدبلوماسي. المطالبة بوقف تسليح إسرائيل لم تعد مطلباً هامشياً، بل أصبحت قضية رأي عام تحرج الحكومة العمالية واليمينية على حد سواء.
وفي باريس، ركز المحتجون على فضح "ازدواجية المعايير". الصور المرفوعة للضحايا كانت تذكير صارخ بأن الدم الفلسطيني لا يقل قدسية عن غيره، وأن حصار غزة وتجويع أهلها هو وصمة عار في جبين الإنسانية. هذا الحراك في فرنسا وبريطانيا يمثل كابوساً للدبلوماسية الإسرائيلية، لأنه يضرب في عمق الحاضنة الغربية التقليدية، ويؤكد أن السردية الصهيونية بدأت تتآكل أمام صمود غزة ووعي أحرار العالم.

