في تصريح صادم يكشف عن انفصال تام عن الواقع، خرج وزير خارجية النظام، بدر عبد العاطي، ليروج لسردية "خيالية" أمام مجلس الشيوخ، زاعمًا أن السجون في مصر تطورت لدرجة أن بعض السجناء يرفضون مغادرتها بعد انقضاء عقوبتهم! هذه التصريحات التي تحاول تصوير مراكز الاحتجاز كـ"فنادق 5 نجوم"، تأتي في وقت تستقبل فيه المشارح جثامين المعتقلين الذين قضوا تحت وطأة الإهمال الطبي والتعذيب، وفي وقت توثق فيه المنظمات الحقوقية عشرات الوفيات داخل هذه "المقابر الحية" خلال العام الجاري فقط.

 

وبينما يتحدث الوزير عن "الرعاية الصحية الفائقة"، تكذب الأرقام والواقع كل كلمة. فكيف يمكن لسجين أن يرفض الحرية في سجون وصفتها "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" بأنها أماكن للموت البطيء؟ وكيف يجرؤ مسؤول على تزييف الحقائق بهذه الفجاجة بينما أهالي المعتقلين يتلقون جثث ذويهم في أكياس سوداء؟

 

"سجون الموت".. حقيقة ما يجري خلف الأسوار

 

الواقع الذي يحاول الوزير تجميله يفضحه عداد الموت الذي لا يتوقف. فبحسب تقارير حقوقية موثقة، شهدت السجون المصرية في عام 2025 ارتفاعًا مرعبًا في أعداد الوفيات نتيجة الإهمال الطبي المتعمد والتعذيب. ومن بين هؤلاء الضحايا الشاب "طارق أشرف" الذي توفي مؤخرًا داخل قسم شرطة الهرم، ليكون الضحية الثانية في نفس القسم خلال 4 أشهر فقط، في تكرار لسيناريو الإفلات من العقاب.

 

المنظمات الحقوقية، مثل "تحالف المادة 55"، وثقت ما يزيد عن 50 حالة وفاة داخل السجون خلال عام 2024 وبداية 2025، كان آخرها وفاة السجين السياسي "خالد الأبيض" في سجن المنيا بعد 12 عامًا من الحبس، حيث تركته إدارة السجن يصارع الموت دون علاج رغم استغاثات زملائه. هذه الحالات ليست مجرد أرقام، بل هي أدلة دامغة على أن السجون المصرية ليست مراكز "إصلاح وتأهيل" كما يزعم النظام، بل مسالخ بشرية يُمارس فيها القتل البطيء.

 

خبراء يفضحون "أكذوبة" الوزير: السجون مقابر وليست منتجعات

 

ردًا على هذه المزاعم، فند خبراء حقوقيون الصورة الوردية التي رسمها وزير الخارجية، مؤكدين أن ما يحدث هو جريمة ممنهجة ضد الإنسانية:

 

1.  بهي الدين حسن (مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان):

 

وصف تصريحات المسؤولين حول تحسن الأوضاع بأنها محاولة للتغطية على "معادلة الحكم القمعية"، مشيرًا إلى أن الإفراج عن بعض المعتقلين يقابله فورًا اعتقال آخرين أو تدويرهم في قضايا جديدة، كما حدث مع الناشط علاء عبد الفتاح الذي لا يزال محتجزًا رغم انقضاء محكوميته، في انتهاك صارخ للقانون.

 

2. جمال عيد (الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان):

 

أكد مرارًا أن ما يسمى بـ"مراكز الإصلاح" الجديدة هي مجرد "تحديث للديكور" بينما العقليات الأمنية التي تديرها لم تتغير. ويرى عيد أن التعذيب في السجون المصرية ليس ممارسة فردية بل "سياسة دولة" تهدف لكسر إرادة المعارضين، وأن الحديث عن رفاهية السجناء هو "استخفاف بالعقول".

 

3.  المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (فريق قانوني):

 

في تقرير حديث، طالبت المبادرة بوقف "سياسة التدوير" التي تبقي المعتقلين في السجون لسنوات دون محاكمة، وفندت مزاعم الرعاية الصحية، مستشهدة بحالات وفاة نتيجة منع الدواء. وأكدت المنظمة أن الحديث عن رفض السجناء للخروج هو محض افتراء، فالسجون تعج بالمضربين عن الطعام للمطالبة بأبسط الحقوق أو الإفراج.

 

4.  مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب:

 

وثق المركز في تقريره "حصاد القهر" عشرات حالات الإهمال الطبي والتعذيب الفردي والجماعي، مؤكدًا أن هناك نمطًا متكررًا من القتل البطيء. وأشار التقرير إلى أن السجناء يموتون لأنهم محرومون من الحق في الحياة والعلاج، وليس لأنهم "مبسوطين" من الخدمة الفندقية كما يلمح الوزير.

 

5.  هيومن رايتس ووتش (مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا):

 

أكدت المنظمة في مراجعتها الدورية لملف مصر بالأمم المتحدة أن حكومة السيسي لم تحقق أي تقدم يذكر، وأنها تواصل معاقبة المنتقدين السلميين، مشيرة إلى أن "الأقنعة سقطت" فعلاً، ولكن عن وجه النظام القبيح الذي يمارس القمع، وليس عن الدول المنتقدة كما يدعي الوزير.

 

سياسة "الإنكار الوقح".. الهجوم كوسيلة للدفاع

 

بدلاً من الاعتراف بالكوارث الحقوقية ومحاولة إصلاحها، لجأ وزير الخارجية إلى استراتيجية "الهجوم المضاد"، متهمًا الغرب بازدواجية المعايير ومحاولًا التستر خلف مأساة غزة لتبرير انتهاكات الداخل. هذا الخطاب الشعبوي، الذي يصور النظام كـ"ضحية مؤامرة"، لم يعد ينطلي على أحد في ظل توثيق المنظمات الدولية لجرائم لا تسقط بالتقادم.

 

تصريحات عبد العاطي عن "سقوط الأقنعة" هي محاولة بائسة للهروب من استحقاقات الملف الحقوقي الملطخ بالدماء. فالدولة التي تهدد بقطع أرزاق وترحيل طلاب لمجرد التظاهر السلمي – كما اعترف الوزير بلسانه – لا تملك الأهلية الأخلاقية للحديث عن الحقوق. إنها دولة ترى في القمع "سيادة" وفي السجون "إنجازًا"، وفي موت المعارضين "قضاءً وقدرًا". الحقيقة المرة التي يحاول النظام طمسها هي أن السجناء في مصر لا يرفضون الخروج، بل يخرجون غالبًا محمولين على الأكتاف، أو يخرجون بعاهات نفسية وجسدية تدوم مدى الحياة.