شهد المسجد الأقصى المبارك خلال “عيد الأنوار” العبري (الحانوكاه)، الذي اختُتمت فعالياته أمس الاثنين، موجة اقتحامات هي الأوسع منذ احتلال القدس الشرقية عام 1967، في ظل تبنٍّ سياسي إسرائيلي رسمي وتواطؤ أمريكي لافت، يهدفان إلى فرض وقائع تهويدية جديدة وتكريس التقسيم الزماني والمكاني للمسجد.
وقال الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص إن عدد المستوطنين الذين اقتحموا المسجد الأقصى خلال أيام العيد الثمانية (14–22 ديسمبر 2025) بلغ 2,779 مستوطناً، موزعين على ستة أيام اقتحام فعلي، بمتوسط يومي وصل إلى 463 مقتحماً.
وأوضح أن هذه الأرقام تتجاوز ما سُجّل في الأعوام السابقة، إذ بلغ العدد 2,567 في عام 2024 و1,681 في عام 2022، مشيراً إلى مشاركة حاخامات بارزين من قادة الصهيونية الدينية، وفي مقدمتهم الحاخام دوف ليئور.
ولفت ابحيص إلى مشاركة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو والسفير الأمريكي مايك هاكابي في إشعال “شمعدان العيد” داخل أنفاق الحائط الغربي، معتبراً ذلك “تبنياً حكومياً معلناً للتطلعات الرامية إلى إدخال الطقوس التوراتية إلى الأقصى، بغطاء ومساهمة أمريكية”.
وكشف ابحيص عن تعهدات قدّمها وزير العدل في حكومة الاحتلال ياريف ليفين لمنظمات “الهيكل”، تتضمن تمديد ساعات الاقتحام المسائية، في خطوة تعيد تأكيد التزام الحكومة بسياسة التقسيم الزماني للمسجد بين المسلمين واليهود.
من جهته، حذّر الباحث في مؤسسة “القدس الدولية” علي إبراهيم من أن ما جرى خلال “الحانوكاه” تجاوز “العدوان الكمي” إلى “عدوان نوعي” يستهدف تحويل الوجود اليهودي في الأقصى من وجود عابر إلى وجود دائم.
وأشار إلى أن فرض الطقوس العلنية الصاخبة، وإدخال الأدوات الدينية مثل “التيفيلين” و”الطاليت” و”راية الهيكل”، يشكّل جزءاً من عملية تمهيد ممنهجة للمضي نحو “البناء المادي للمعبد”.
وأضاف إبراهيم أن تحويل ساحات المسجد إلى أماكن للرقص والغناء يمثل خطوة متقدمة نحو التقسيم المكاني الفعلي، وتهميشاً متدرجاً لدور الأوقاف الإسلامية وصولاً إلى محاولة إلغائه.
ورصد جملة من الاعتداءات النوعية خلال العيد، من بينها تكرار إشعال شموع رمزية داخل المصليات، وفرض “السجود الملحمي” الجماعي، بالتوازي مع حصار أبواب المسجد، ولا سيما باب القطانين الذي أُغلق أمام المصلين المسلمين طوال أيام العيد لتأمين مآدب المستوطنين واحتفالاتهم، إضافة إلى نفخ الأبواق عند باب الأسباط.
ويرى مراقبون أن الخطر على الأقصى لا ينتهي بانتهاء “الحانوكاه”، إذ تستعد الجماعات المتطرفة لموسم تصعيد جديد في مارس 2026 مع حلول “عيد المساخر” العبري المتزامن مع منتصف شهر رمضان، يليه “عيد الفصح” في أبريل، والذي يُتوقع أن يشهد تجدد محاولات “ذبح القرابين” داخل المسجد.

