في ظل واقع اقتصادي متدهور تعصف به قرارات حكومية كارثية، دق الإعلامي محمد علي خير ناقوس الخطر محذرًا من انفجار وشيك لفقاعة ديون الأسر المصرية. الأرقام المفزعة التي كشفت عنها بيانات حديثة تشير إلى أن المواطن المصري لم يعد يقترض للرفاهية، بل أصبح الاستدانة طوق نجاة زائفًا للهروب من طوفان الغلاء الذي خلفته سياسات "تعويم الجنيه" المتكررة.
حكومة الجباية.. تسليم المواطن لغول الفوائد
لم تكتفِ السلطة الحالية بإغراق الدولة في ديون سيادية غير مسبوقة، بل انسحبت آثار فشلها الاقتصادي لتطال جيوب الأسر المصرية بشكل مباشر. وبحسب الأرقام التي استعرضها "خير"، قفز إجمالي ديون الأسر المصرية ليصل إلى رقم فلكي يناهز تريليون ونصف تريليون جنيه مصري، بزيادة مرعبة بلغت 350 مليار جنيه في فترة وجيزة. هذه الزيادة ليست مجرد أرقام صماء، بل هي ترجمة حية لعجز الدخل الحقيقي للمواطن عن تلبية أبسط متطلبات الحياة في ظل تضخم جامح وتآكل للقوة الشرائية للعملة الوطنية.
إن لجوء المواطنين للاقتراض من البنوك وشركات التمويل الاستهلاكي ليس خيارًا طوعيًا في الغالب، بل هو نتيجة حتمية لانسحاب الدولة من دورها في حماية الطبقة الوسطى والفقيرة، وتركهم فريسة لآليات سوق متوحشة وفوائد بنكية مرتفعة تزيد من نزيف مواردهم المحدودة.
التعويم المستمر.. فاتورة يدفعها البسطاء
تشير بيانات "معهد التمويل الدولي" بوضوح إلى الجريمة الاقتصادية المرتكبة بحق الشعب المصري منذ قرار تعويم الجنيه في عام 2024. فقد كشفت البيانات عن ارتفاع ديون الأسر المصرية بنحو 7 مليارات دولار منذ ذلك التاريخ المشؤوم، لتسجل في عام 2025 ما يقارب 28.2 مليار دولار، مقارنة بـ 21 مليار دولار في الربع الأول من عام 2024.
هذه القفزة الهائلة بالدولار – رغم شحّه – تعكس حجم المأساة؛ فالتعويم لم يجلب الاستثمارات الموعودة بقدر ما جلب الفقر والاستدانة. لقد أجبر تدهور العملة المحلية الأسر على تعويض الفجوة في نفقاتها عبر "التمويل الاستهلاكي" وشراء السلع الأساسية بالتقسيط، مما حول المجتمع المصري من مجتمع منتج ومستقر ماليًا إلى مجتمع مكبل بالأقساط والديون، يلهث خلف سداد التزامات لا تنتهي، بينما تواصل الحكومة الترويج لإنجازات وهمية لا وجود لها على أرض الواقع.
التمويل الاستهلاكي.. فخ الديون المميت
الأخطر في هذا المشهد القاتم هو تصدر "التمويل الاستهلاكي" لقائمة أسباب الاستدانة. هذا يعني ببساطة أن المصريين يقترضون لـ "يأكلوا ويشربوا" أو لشراء مستلزمات كانت في السابق بمتناول اليد. لقد نجحت السياسات الحالية في تحويل أدوات التمويل من وسائل لدعم الاستثمار أو شراء الأصول المعمرة، إلى أدوات لسد رمق العيش اليومي.
إن تحذيرات المراقبين والخبراء، ومن بينهم محمد علي خير، تؤكد أن استمرار هذا النهج سيؤدي إلى كارثة اجتماعية محققة. فتراكم الديون على الأسر سيعقبه حتمًا تعثر في السداد، وهو ما قد يهز استقرار القطاع المصرفي من جهة، ويزج بآلاف الغارمين والغارمات في السجون من جهة أخرى. إن السلطة التي فشلت في إدارة موارد الدولة، نجحت بامتياز في تعميم نموذج "الفشل المالي" ليصبح السمة الغالبة على ميزانية كل بيت مصري، في مشهد يؤكد غياب أي رؤية للإصلاح الحقيقي وانحياز كامل ضد مصلحة المواطن البسيط.

