أثار قرار رئيس مجلس وزراء السيسي رقم 3277 لسنة 2025، والمنشور في الوقائع المصرية بتاريخ 6 نوفمبر 2025، موجة قلق جديدة بين سكان منطقة نزلة السمان بالجيزة، بعد أن نصّ على اعتبار مشروع نزع الملكية من أعمال المنفعة العامة، مع الشروع في التنفيذ المباشر دون انتظار إجراءات قضائية طويلة.

 

القرار يعيد إلى الواجهة ملفًا حادًا يتمثل في سياسة التهجير القسري ونزع ملكية مواطنين لصالح مشروعات حكومية أو استثمارية غالبًا ما يُتهم بأنها تخدم مصالح الأثرياء والسياحة، بينما يدفع السكان ثمنها من منازلهم وممتلكاتهم وحياتهم المستقرة.


 

قرار رسمي يتجاوز السكان

 

ينص القرار على نزع ملكية الأراضي والعقارات الواقعة في النطاق بين شارع الأهرام شمالًا حتى شارع أبو الهول جنوبًا، ومن محور المنصورية شرقًا إلى حدود المنطقة الأثرية غربًا.


وتُمنح محافظة الجيزة صلاحيات التنفيذ المباشر، بالاستناد إلى قانون 10 لسنة 1990 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة.

 

لكن ورغم ما يصفه القرار بـ”المنفعة العامة”، فإن غياب التوضيح الصريح حول طبيعة المشروع، أو الهدف النهائي من استغلال الأراضي المنزوعة، يفتح بابًا واسعًا للتأويلات، ويعزز من شكوك السكان حول توجهات الحكومة الحقيقية في هذه المنطقة.
 

سياق متواصل من النزاع القانوني والاجتماعي

 

لم يكن القرار الحالي هو الأول من نوعه، بل يُعد امتدادًا لقرار رئيس الوزراء رقم 3503 لسنة 2021، والذي حدد نفس النطاق الجغرافي تقريبًا، وتبعه قرار آخر من وزارة التنمية المحلية عام 2024 لتنفيذه.

 

وقد واجه القرار الأول اعتراضات قانونية من الأهالي، الذين رفعوا طعونًا أمام مجلس الدولة رفضًا للإخلاء أو التعويض غير العادل.

 

القرار الجديد يكرر الصيغة نفسها، مع إدراج “كشوف الملاك الظاهرين” والخرائط المساحية كمرجع وحيد للتنفيذ، متجاهلًا – بحسب الأهالي – الوضع الفعلي لكثير من السكان الذين لا يحملون أوراق ملكية رسمية رغم إقامتهم منذ عقود، ما يعرضهم لخطر الإخلاء القسري دون تعويض عادل أو بدائل واقعية.
 

مشاريع "المنفعة العامة"… لمن؟

 

رغم أن القرار لا يذكر صراحةً أن الأراضي المقرر نزع ملكيتها ستُستخدم في بناء فنادق أو منشآت سياحية، فإن التوجه العام في المنطقة يشير إلى ذلك.

 

فالحكومة تروج في الوقت ذاته لتسهيل تراخيص الفنادق وتغيير استخدامات الأراضي إلى أغراض فندقية وسياحية، خاصة في المناطق المجاورة للأهرامات.

 

ويخشى السكان أن يتم تحويل أراضيهم إلى مشاريع لا يستفيد منها سوى المستثمرين والطبقات الأعلى دخلًا، فيما يُطرد أصحاب البيوت إلى أطراف المدينة أو يُمنحون تعويضات لا تكفي لشراء بدائل مناسبة.
 

اتهامات بالتمييز الطبقي وغياب العدالة المكانية

 

يرى منتقدون للقرار أن ما يحدث في نزلة السمان هو مثال صارخ على “نزع الملكية من الفقراء لصالح الأغنياء”.

 

ففي الوقت الذي تُزال فيه منازل المواطنين بحجة التطوير، لا يُقدَّم لهم أي مشروع سكني بديل في نفس المنطقة، بل يُطلب منهم القبول بالتعويض المالي أو الانتقال إلى مناطق بعيدة.

 

ويتساءل بعض الناشطين: من يحدد "المنفعة العامة"؟ وهل يمكن أن تكون رفاهية الفنادق والمنشآت السياحية أولوية على حساب حقوق سكان أصليين؟

 

ويصف آخرون ما يحدث بأنه “إعادة هيكلة جغرافيا الفقر” لإخلاء المدن من الطبقات الدنيا وإعادة رسم حدود السكن لصالح المستثمرين والمقتدرين فقط.
 

أين الشفافية والمشاركة المجتمعية؟

 

رغم أهمية المشروع – إن كان تطويرًا حقيقيًا لمحيط الأهرامات – إلا أن غياب الحوار المجتمعي والمعلومات الواضحة حول تفاصيل التنفيذ يُفقد الحكومة كثيرًا من المصداقية.

 

فحتى الآن، لم تُنشر خرائط المشروع على المواقع الحكومية، ولم تعقد جلسات استماع مع السكان المتضررين، بل يتم الاكتفاء بالإشارة إلى "كشوف وخرائط مرفقة" ضمن القرار الرسمي، دون إتاحتها للعامة.

 

هذا الغموض المتعمد – كما يصفه المنتقدون – يفتح الباب لتكرار نماذج سابقة من الإخلاء الجبري والتعويض المجحف، كما حدث في أحياء أخرى بالقاهرة والإسكندرية في السنوات الأخيرة.
 

من يدفع ثمن التطوير؟

 

يُعيد القرار 3277 لسنة 2025 فتح ملف حساس حول طبيعة التنمية العمرانية في مصر، ومن المستفيد الحقيقي منها. فبينما تُبرر الحكومة قرارات النزع بأنها في إطار “التطوير وتحسين صورة مصر أمام العالم”، يتساءل السكان عما إذا كان تحسين الصورة يتم على أنقاض منازلهم وذكرياتهم.

 

وفي ظل غياب ضمانات كافية، وتكرار نماذج تهجير سابقة لم ترافقها تعويضات عادلة، يبدو أن نزلة السمان مرشحة لتكون صفحة جديدة في سجل التهجير القسري باسم “المنفعة العامة”، حيث يدفع المواطن العادي الثمن، بينما تُفتح الأبواب أمام استثمارات لا يعرف عنها سوى صورها الفاخرة في الصحف.