دفعت موجة رفع أسعار المنتجات البترولية في مصر خلال أكتوبر ونوفمبر 2025 إلى تعديل فوري في تعريفة النقل العام والخاص، تبعتها «أوبر مصر» بزيادة متوسطة قدرها 6% في أسعار الرحلات. تعكس هذه السلسلة المتتابعة من القرارات انتقال كلفة الإصلاح المالي على نحو مباشر إلى المستهلك النهائي، في ظل غياب مظلة حماية اجتماعية فعّالة تقلل أثر الصدمات على أصحاب الدخول المحدودة. يقدّم هذا التقرير قراءة موجزة لأبعاد القرار، ومسارات انتقاله عبر السوق، وانعكاساته الاجتماعية والاقتصادية، وما الذي كان يمكن اتخاذه من بدائل تخفيفية.
ما الذي أعلنته «أوبر»؟
أبلغت «أوبر» السائقين بزيادة متوسطة 6% «لمساعدتكم على تحقيق ربح أعلى من كل رحلة» مع قفزة تكاليف التشغيل المرتبطة بالوقود. عمليًا، تُترجم هذه الصيغة إلى الحفاظ على جاذبية العمل للسائقين مع تثبيت عبء السعر النهائي على المستخدمين. وتأتي الزيادة امتدادًا لنمط تاريخي في السوق المصرية: كلما ارتفع الوقود رسميًا، تعدّل التطبيقات الذكية التعريفة الأساسية وسعر الكيلومتر والحد الأدنى للرحلة.
خلفية قرار الوقود الحكومي
رفعت حكومة السيسي أسعار البنزين والسولار والغاز بنسب كبيرة خلال 2025، مع متوسطات تقديرية وصلت إلى نحو 18% في أحدث موجة، وبلوغ زيادات لبعض المنتجات قرابة 42.9%؛ وهي نسب تفوق سقف آلية التسعير التلقائي المعلن سابقًا (10% لكل مراجعة دورية). تُبرّر الحكومة هذا المسار بالسعي إلى «استرداد التكلفة الكاملة» قبل نهاية 2025، وخفض عجز الموازنة وربط الأسعار بكلفة الإنتاج والتمويل المحلية والعالمية.
الأثر المباشر على النقل العام والخاص
انعكس تعديل الوقود فورًا على تعريفة الأتوبيسات والميكروباصات والتاكسي في القاهرة بزيادات بين 10 و15%، مع إعادة ضبط عدّاد التاكسي وشرائح الانتظار والكيلومتر. وبما أنّ النقل يمثّل عصب سلاسل الإمداد، تنتقل الزيادة بسرعة إلى تكاليف السلع والخدمات، ما يرفع فاتورة المعيشة اليومية للعمال والطلاب والأسر منخفضة الدخل، ويغذّي حلقة تضخمية تمتد من الوقود إلى كل خدمة تعتمد على الحركة.
لماذا يتحمّل المواطن العبء الأكبر؟
القرار السيادي برفع الوقود يحدد سقف الكلفة عبر الاقتصاد بأكمله. ومع انتقال الزيادة للنقل العام والخاص، تتوسع قاعدة المتضرّرين إلى ملايين المستخدمين، فيما تحافظ الشركات على هوامشها بإعادة تسعير تلقائية. وبغياب أدوات تعويض فعّالة، يصبح المستهلك هو المموّل العملي لفجوات التسعير والدعم، عبر زيادات متلاحقة تُضغط بها الأجور الحقيقية وتُنقص القدرة الشرائية.
ما الذي تكشفه خطوة «أوبر»؟
تكشف الزيادة حساسية التطبيقات الذكية لإشارات الوقود الحكومية، وسرعة تمريرها داخل المنصات بما يحفظ عرض السائقين واستقرار المعروض. وفي سوقٍ تتصاعد فيه تعريفة النقل العام رسميًا، يسهل على اللاعبين الخاصين تبرير الزيادات وربطها بالكلفة، فتترسخ حلقة تسعير أعلى عبر القنوات كافة. بهذا المعنى، لا تعمل السوق في فراغ؛ بل تتعاقد القرارات الرسمية والآليات الخاصة لتثبيت مستوى سعري جديد.
نقد للمسار الحكومي
توالي الزيادات خلال عام واحد، وبنسب تتجاوز سقف المراجعة المعلن، يكشف غياب مسار حمائي واضح للفئات المتضررة، ويعكس تغليب «التوازن المالي» على «القدرة على العيش». ومع ضعف بدائل النقل المنخفض الكلفة وارتباك المنافسة في سوق المواصلات، تتسع فجوة عدم المساواة في الوصول إلى الخدمات والفرص، وتتعزز النزعة الاحتكارية ضمن قطاعات النقل الحضري.
التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية
ستشهد الأسر التي تعتمد على «أوبر» وبدائلها في التنقّل اليومي فواتير شهرية أعلى، فيما تضيق الخيارات أمام أصحاب الدخول المحدودة مع ارتفاع تعريفة الميكروباص والأتوبيس والتاكسي معًا. وتتحول زيادة كلفة النقل إلى تضخم «مستورَد محليًا» عبر خطوط الإمداد، يضعف الطلب الاستهلاكي ويضغط على المشروعات الصغيرة والمتوسطة المعتمدة على التوصيل والتنقل، ما يفاقم تباطؤ النشاط الاقتصادي.
ختاما فرفع «أوبر» الأسعار 6% هو نتيجة مباشرة لمسار حكومي سرّع استرداد التكلفة من دون مساندات اجتماعية كافية، ما جعل كل رحلة أكثر كلفة وكل يوم أصعب للمواطن العادي. ما لم تُقرن سياسات «استرداد التكلفة» بتعويضات موجهة وإصلاحات تنافسية في سوق النقل، سيبقى الواقع كما يلمسه المستخدمون: الحكومة ترفع… السوق يُسعّر… والمواطن يدفع الثمن.

