شهدت أسعار الذهب في الأسواق المحلية والعالمية، تراجعًا مفاجئًا خلال الساعات الماضية بعد أن سجلت أرقامًا قياسية خلال الأسبوعين الماضية، في ظل مؤشرات إيجابية على انفراجة محتملة في العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين
وشهدت أسعار الذهب عالميًا، هبوطًا جديدًا، حيث انخفض سعر الذهب الفوري بنسبة 2.6 % إلى 4017.29 دولار للأوقية (الأونصة)، ليصل إلى أدنى مستوى له في أسبوعَين تقريبًا، وانخفضت العقود الآجلة للذهب الأمريكي بنسبة 1.9 في المائة إلى 4032.80 دولار للأوقية.
وفي السوق المحلي، تراجعت أسعار الذهب خلال تعاملات اليوم بنحو 120 جنيهًا، ليسجل جرام الذهب عيار 21 - الأكثر تداولاً - نحو 5470 جنيهًا. وسجل جرام الذهب عيار 24 6251 جنيهًا، وعيار 18 4689 جنيهًا، وعيار 14 نحو 3647 جنيهًا، بينما سجل سعر الجنيه الذهب 43760 جنيهًا.
يأتي ذلك بعد أن شهدت أسعار الذهب في مصر أمس، تراجعًا بنحو 285 جنيهًا، بعدما افتتح جرام الذهب عيار 21 التعاملات عند 5875 جنيهًا وأغلق عند 5590 جنيهًا.
وجاء الهبوط وسط عمليات بيع لجني الأرباح بعد أن بلغ الذهب أعلى مستوياته التاريخية عند 4381 دولارًا للأونصة يوم الاثنين، قبل أن يتراجع في جلسة الثلاثاء بنسبة 6.3% إلى 4082 دولارًا، في أكبر انخفاض مئوي منذ عام 2013، تزامنًا مع هبوط العقود الآجلة الأمريكية بنسبة 5.7% عند 4088 دولارًا.
خطوة تصحيحية
ويقول خبراء، إن التراجع يأتي بعد مكاسب تاريخية خلال الأسبوعين الماضيين، الأمر الذي اعتبروه يعكس تصحيحًا بسيطًا وإعادة التوازن داخل السوق.
وقال روبن بروكس، الزميل البارز في مؤسسة بروكينجز الأمريكية للأبحاث، في مقال عبر موقع "سابستاك"، إن الاجتماع السنوي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، الذي عُقد في واشنطن الأسبوع الماضي، ربما أقنع العديد من المندوبين الحاضرين بتحديث نظرتهم لدورة النمو الأمريكية، مما أدى إلى إزالة أحد الركائز الرئيسة في الحجة الاستثمارية الأخيرة للذهب.
ونظر بروكس في العوامل الأكثر شيوعًا لتبرير ارتفاع قيمة الذهب، وقرر أن حالة عدم اليقين الجيوسياسي، وتراكم الديون العالمية والمخاوف المصاحبة من انخفاض قيمة العملات الورقية، وتنويع البنوك المركزية كانت "أخبارًا قديمة في الغالب وليست محركًا لما يحدث الآن".
ويرى بروكس أن حالة الاقتصاد الأمريكي، وما إذا كان يتجه نحو الركود أم لا، وكيف سيؤثر ذلك على السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، كانت المحرك الرئيس لسعر الذهب في الآونة الأخيرة.
وأوضح أن اجتماع صندوق النقد والبنك الدوليين كان محوريًا في إقناع الحاضرين بأن "الحياة مستمرة، بغض النظر عمن في البيت الأبيض"، ولتحسين نظرتهم للنمو الأمريكي، مع تقليص توقعاتهم لخفض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة في الوقت نفسه.
وقال: "إنها ترقية دورية قد تضع حدًا للارتفاع الهائل في أسعار الذهب، على الأقل لفترة وجيزة".
غير أن كارستن ستورك من ستراتكوم كابيتال لا يتفق مع رؤية بروكس، ووصف الانخفاض في أسعار الذهب بأنه "آلية سوقية خالصة بعد نشوة"، مع تفكيك المراكز المفرطة في التوسع، وتحفيز الخوارزميات لجني الأرباح.
في حين زعم بيتر بيركنز من شركة إم آر بي بارتنرز أن الذهب كان يستحق تراجعًا، لأنه وصل إلى مستويات قياسية مرتفعة من حيث التضخم المعدل والقيمة الاسمية، وهو الآن مكلف نسبيًا مقارنة بالأسهم ومعروض النقود والناتج المحلي الإجمالي.
الخلاف الجيوسياسي بين أمريكا والصين
وقال لطفي منيب، نائب رئيس شعبة الذهب بالغرفة التجارية في تصريحات صحفية، إنه بعد الوصول إلى المستهدف السعري تحدث حركة في الأسعار سواء صعود أو هبوط، فقد وصل الذهب إلى 4375 دولارًا بينما كان المستهدف 4250 دولارًا، وهو ما تسبب في تصحيح بسيط للأسعار.
وأضاف، أن مع الأحداث الاقتصادية والتغيرات الجيوسياسية تظهر دائمًا مستهدفات سعرية جديدة لمختلف المواد الخام، مشيرًا إلى أن الذهب عندما يصل إلى مستوى سعري معين لا يتوقف عنده بل يشهد عادة زيادة طفيفة يعقبها تصحيح بسيط.
وأشار منيب إلى أن مضاعفة الولايات المتحدة للتعريفة الجمركية بنسبة 100 بالمائة على الصين كانت سببًا رئيسًا في ارتفاع أسعار الذهب بهذا الشكل، حيث أدت تلك الخطوة إلى تغير في الاقتصاد العالمي فارتفع سعر الذهب وانخفضت قيمة الدولار.
وأوضح أنه على سبيل المثال، في حال تقارب وجهات النظر واتفاق الأطراف على إلغاء هذه الرسوم، فمن المتوقع أن يتراجع سعر الذهب.
وقال إيهاب واصف، رئيس شعبة الذهب والمعادن الثمينة باتحاد الصناعات المصرية، إن الهبوط الذي شهدته أسواق الذهب العالمية خلال الساعات الماضية، انعكس مباشرة على الأسعار المحلية في مصر.
وأضاف أن الموجة التصحيحية الحالية جاءت بعد ارتفاعات قوية متتالية دفعت الذهب إلى مستويات قياسية، ما شجع المستثمرين حول العالم على جني الأرباح، بالتزامن مع صعود الدولار الأمريكي وتحسن شهية المخاطرة في الأسواق المالية العالمية.
وأوضح أن تراجع الطلب العالمي المؤقت على الملاذات الآمنة، مع انحسار المخاوف الجيوسياسية في بعض المناطق، ساهم في زيادة ضغوط البيع على المعدن الأصفر، مشيرًا إلى أن السوق المصرية تتأثر بشكل مباشر بتقلبات الأسعار العالمية للأونصة، في ظل ارتباط التسعير المحلي بالدولار.
وأكد رئيس الشعبة أن الهبوط الحالي لا يعكس ضعفًا في الأساسيات طويلة المدى للذهب، موضحًا أن المعدن النفيس ما زال يحتفظ بجاذبيته كأداة للتحوط من التضخم وحفظ القيمة، خصوصًا في ظل استمرار التحديات الاقتصادية العالمية.
جني الأرباح
وأكد الدكتور محمد عبد الوهاب، المحلل الاقتصادي والمستشار المالي، أن عمليات جني الأرباح المكثفة من جانب المستثمرين كانت السبب الرئيس وراء التراجع الأخير، خاصة بعد تحقيق مكاسب قياسية في الأسابيع الماضية.
وأشار عبد الوهاب، إلى أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن التفاؤل بالتوصل إلى اتفاق تجاري عادل مع الصين أسهمت في تهدئة الأسواق وتقليص الطلب على الملاذات الآمنة، ما دعم صعود الدولار ودفع الذهب إلى مزيد من الهبوط.
وتوقع أن يتماسك الذهب فوق مستوى 4100 دولار للأوقية خلال الفترة المقبلة، مع إمكانية عودة الأسعار تدريجيا للصعود، مرجحًا أن تتراوح الأسعار في نطاق 4050 إلى 4250 دولارا على المدى القصير، قبل أن تستعيد اتجاهها الصاعد نحو مستويات 4300 إلى 4400 دولار للأوقية.

