في واقعة تجسد أسمى معاني الشجاعة والتضحية، تحول عامل السكك الحديدية الجزائري الأصل سمير زيتوني إلى بطل قومي في بريطانيا بعد تصديه البطولي لرجل مسلح بسكين شن هجومًا عشوائيًا على ركاب قطار.
بيدين عاريتين، واجه زيتوني المهاجم، أنتوني ويليامز، في محاولة يائسة لحماية الأرواح البريئة من حوله، ودفع ثمن شجاعته جروحًا بليغة وضعته بين الحياة والموت.

أثارت قصته موجة واسعة من الإعجاب والتقدير، وأعادت تسليط الضوء على الأبطال المجهولين الذين يعيشون بيننا، بينما كشفت في الوقت ذاته عن التحيزات السلبية التي غالبًا ما تسبق الحقائق في عصر يتسم بالاستقطاب والإسلاموفوبيا.
 

مواجهة مباشرة مع الموت
بدأت الأحداث تتكشف بسرعة على متن أحد القطارات المزدحمة، عندما بدأ أنتوني ويليامز، الذي وصفته وسائل الإعلام لاحقًا بـ "القاتل"، في تهديد الركاب والاعتداء عليهم بسكين كان يحمله.

سادت حالة من الذعر والفوضى في عربات القطار، حيث حاول الركاب الهرب من الخطر المحدق، ولم يجرؤ أحد على الاقتراب من المهاجم الذي كان في حالة هياج.
في تلك اللحظات الحرجة، لم يتردد سمير زيتوني، الذي كان يؤدي عمله كعامل في السكك الحديدية، في التدخل.

متجاهلاً الخطر المحدق بحياته، تقدم زيتوني نحو ويليامز وبدأ في مواجهته مباشرة، مستخدمًا جسده فقط كدرع لحماية الآخرين.
تمكن من الاشتباك مع المهاجم ومنعه من الوصول إلى المزيد من الضحايا، في معركة غير متكافئة استمرت لدقائق حاسمة حتى وصول الشرطة.
 

ثمن باهظ وإشادة رسمية
لم تخلُ هذه المواجهة البطولية من ثمن باهظ. تعرض سمير زيتوني لطعنات متعددة وخطيرة في أنحاء متفرقة من جسده، وسقط على الأرض مصابًا بجروح بليغة قبل أن تتم السيطرة على المهاجم.

نُقل زيتوني على الفور إلى المستشفى، حيث أُدخل إلى وحدة العناية المركزة، ولا يزال الأطباء يصفون حالته بالحرجة.
ومع ذلك، فإن تضحيته لم تذهب سدى، فقد أنقذت حياة العشرات من الركاب الذين كانوا على وشك أن يصبحوا ضحايا للهجوم.

أشاد المسؤولون البريطانيون بشجاعة زيتوني الاستثنائية. وفي تصريح رسمي، قالت وزيرة النقل البريطانية إن ما فعله كان "رائعًا للغاية"، مضيفة: "لقد عرّض نفسه لخطر مميت لحماية الغرباء. هناك أشخاص على قيد الحياة اليوم، ما كانوا ليكونوا كذلك لولا تدخله البطولي".
 

شجاعة تتحدى الإسلاموفوبيا
على الرغم من الإشادة الواسعة التي حظي بها زيتوني، فإن الحادثة كشفت أيضًا عن وجه آخر للمشهد الإعلامي والاجتماعي.
فقد أشار معلقون ونشطاء إلى أن الانطباعات الأولية التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، قبل اتضاح هوية البطل، كانت مشوبة بالتحيز السلبي.

حيث سارع البعض إلى الربط بين الحادثة والإرهاب، مستغلين الأجواء المسمومة التي خلقتها حملات الإسلاموفوبيا التي تروج لها التيارات اليمينية المتطرفة والدوائر المؤيدة لها.

جاءت شجاعة سمير زيتوني، الرجل المسلم من أصل جزائري، لتكون أبلغ رد على هذه الصور النمطية، ولتثبت أن البطولة والإنسانية لا دين لهما ولا عرق.
لقد قدم زيتوني بتضحيته درسًا للعالم بأن الأفعال هي التي تحدد هوية الإنسان، وليس أصله أو معتقده، محطمًا بذلك السرديات المروجة للكراهية.