بعد يومين فقط من حفل افتتاح وُصف بـ"الأسطوري" وتكلّف مئات الملايين، لم تكن الرياح وحدها هي التي أسقطت اللافتة "الفينيل" الرخيصة عن سور المتحف المصري الكبير، بل أسقطت معها قناع الإبهار الزائف وكشفت عن عمق أزمة الإدارة بالـ"لقطة" التي أصبحت السمة الأبرز للحكومة الحالية.

المشهد الذي تم تداوله على نطاق واسع، للافتة ممزقة وملقاة على الأرض بإهمال شديد بجوار صرح ثقافي كلف المليارات، لم يكن مجرد خطأ فني عابر، بل كان تجسيدًا صارخًا لثقافة الاستعراض التي تولي الاهتمام للحفل والواجهة، ثم لا تبالي بما يحدث بعد انصراف الكاميرات.


 

 

مشهد العار يثير عاصفة من السخرية
بمجرد انتشار الصورة، انفجرت موجة من الغضب والسخرية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث رأى فيها المصريون انعكاسًا دقيقًا لحالة "الفبركة" التي يعيشونها.
التغريدة التي أطلقت شرارة الجدل من حساب "حزب تكنوقراط مصر" كانت معبرة: "بعد يومين فقط من افتتاح المتحف المصري الكبير سقوط فينيل سور المتحف دون أدنى اهتمام من المسئولين، هذا لأن اللقطة انتهت".

هذه التغريدة فتحت الباب أمام آلاف التعليقات التي صبت في نفس الاتجاه، وفيما يلي بعض الروابط التي تعكس حالة الغضب الشعبي:
تغريدة "حزب تكنوقراط مصر" التي بدأت القصة:

 

نقاشات ومنشورات ساخطة على مواقع التواصل الاجتماعي


 

هذه الردود لم تكن تهاجم الحادثة بحد ذاتها، بل كانت تنتقد المنهجية الكاملة للحكومة: إنفاق ببذخ على المظاهر الاحتفالية، مع إهمال صارخ للجودة والمتانة والتفاصيل الأساسية التي تضمن استدامة هذه المشروعات.
 

التبرير الرسمي في مواجهة الحقيقة
كعادتها في مواجهة أي انتقاد، سارعت الجهات الرسمية إلى محاولة احتواء الموقف. نفت وزارة السياحة والآثار صحة ما تم تداوله عن ترك "أغطية بلاستيكية ممزقة".

هذه البيانات الرسمية لم تخمد الغضب، بل زادته اشتعالًا، حيث اعتبرها الكثيرون استخفافًا بذكاء المواطنين ومحاولة لإنكار واقع موثق بالصورة والصوت.

يأتي هذا في سياق نمط متكرر من الإنكار الرسمي، كما حدث سابقًا عند تسرب مياه الأمطار إلى بهو المتحف، حيث قللت الوزارة من أهمية الأمر مؤكدة أن التصميم يسمح بذلك وأن التمثال الجرانيتي لا يتأثر.
 

نمط متكرر من الإهمال: من التحرير إلى المتحف الكبير
ما يزيد من خطورة حادثة "الفينيل" أنها ليست واقعة معزولة، بل تأتي ضمن سلسلة من حوادث الإهمال التي طالت أهم المواقع الأثرية في مصر.

فقبل أشهر قليلة، شهد المتحف المصري بالتحرير، الصرح التاريخي العريق، سقوط جزء من سقف إحدى قاعاته أثناء أعمال الترميم. المفارقة الصارخة أن أعمال الصيانة التي يفترض أن تحمي الأثر هي التي تسببت في تضرره، مما كشف عن غياب الإشراف الهندسي والكفاءة الفنية.

إن المقارنة بين الإهمال الذي يعانيه المتحف القديم والاحتفال الباذخ بالمتحف الجديد، ثم سقوط واجهة الأخير بعد يومين، ترسم صورة قاتمة عن إدارة تخلت عن جوهر الحفاظ على التراث مقابل الولع بالمشروعات الدعائية الجديدة.
 

حين يصبح الاستعراض هو الإنجاز
في النهاية، تمثل اللافتة الممزقة على سور المتحف الكبير رمزًا قويًا لسياسات الحكومة الحالية.

إنها تكشف عن أن الأولوية هي للصورة المبهرة والاحتفال الصاخب، وليس للقيمة الحقيقية أو الجودة المستدامة.

وعندما تنتهي "اللقطة" وتتجه الكاميرات إلى مكان آخر، يظهر الواقع الهش والمُهمَل.

لقد أنفقت الدولة المليارات على بناء صرح عظيم، لكنها فشلت في تركيب لافتة بسيطة بشكل صحيح، وهو فشل رمزي يعكس أزمة أعمق في الأولويات والإدارة، ويترك المواطن متسائلاً عن مدى جدوى هذه "الإنجازات" التي لا تصمد حتى لأيام قليلة بعد افتتاحها.