وثّقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان جريمة جديدة من جرائم القتل خارج إطار القانون، بعدما أقدمت قوات الأمن في مركز شرطة إدفو بمحافظة أسوان على تصفية ثلاثة مواطنين عُزّل، من بينهم المهندس الشاب محمد سيد عبدالعزيز سليم، في واقعة تعيد إلى الواجهة جدلاً واسعًا حول تغوّل الأجهزة الأمنية واستخدامها القوة المميتة خارج نطاق القضاء.

الجريمة وقعت مساء الأحد 19 أكتوبر 2025 بقرية حاجر أبو خليفة التابعة لمركز إدفو، بقيادة الرائد محمد السيد الهاين، رئيس مباحث المركز، ومعاونيه النقباء أمجد إيهاب، شهاب عبدالعال، وأشرف الصاوي، بحسب ما جاء في بيان الشبكة الحقوقية.

 

جريمة تتكرر خلال أقل من شهر

الجريمة الجديدة لم تكن الأولى من نوعها في أسوان؛ إذ جاءت بعد أقل من شهر واحد على واقعة مشابهة في المركز ذاته، بتاريخ 27 سبتمبر الماضي، أسفرت عن مقتل خمسة مواطنين آخرين اتهمتهم وزارة الداخلية وقتها بأنهم “عناصر شديدة الخطورة”، رغم عدم صدور أي أحكام قضائية بحقهم.

وبحسب الشبكة المصرية، فإن هذا التكرار الزمني الضيق بين الحادثتين “يؤكد أن ما يجري لم يعد مجرد تجاوز فردي، بل تحول إلى نهج أمني ممنهج من القتل الميداني والتصفية الجسدية، تُمارسه وزارة الداخلية كأداة للعقاب والردع خارج نطاق القضاء، وسط إفلات تام من المساءلة”.

 

المهندس الشاب.. ضحية بالصدفة

من خلال التحقيقات الميدانية والشهادات التي وثّقتها الشبكة، تبيّن أن المهندس محمد سيد عبدالعزيز سليم (32 عامًا)، كان يعمل مهندس جودة ويقيم في القاهرة، معروفًا بين زملائه بالخلق والاستقامة، ولم يكن مطلوبًا على ذمة أي قضية أو صادرة بحقه أحكام قضائية.

وصل محمد إلى قرية حاجر أبو خليفة ظهر يوم الواقعة لزيارة أقاربه، قبل أن يتحول وجوده إلى مأساة دامية، حين داهمت قوات الأمن القرية بحثًا عن المطلوب محمد جمال المعروف بـ“حمو الدولي”، وهو شخص عليه قضايا جنائية سابقة.

ووفقًا لشهادات الأهالي التي وثقتها الشبكة، علم “حمو الدولي” بوصول القوات فاعتلى سطح “مندرة” تابعة لعائلة الميتمية، وأطلق النار على الشرطة. وردت القوات بطلب تعزيزات، لكن قبل أن تصل، هرب المطلوب إلى أحد المنازل المجاورة.

القوات، بدلاً من ملاحقته، ألقت القبض على ثلاثة رجال لا علاقة لهم بالواقعة:

المهندس محمد سيد عبدالعزيز سليم (الضيف).

حميد جمال (شقيق المطلوب).

رجل ثالث كان ضيفًا في المنزل ذاته.

الشهادات الميدانية أكدت أن الرجال الثلاثة استسلموا للقوات ولم يشكلوا أي تهديد، إلا أن الضباط قرروا تصفيتهم ميدانيًا من مسافة صفر داخل المندرة، بعد أن قيّدوا أيديهم من الخلف.

 

“أنا ماليش دعوة.. أنا ضيف”

روى أحد شهود العيان تفاصيل اللحظات الأخيرة قائلاً: “الظباط خدوا التلاتة، استجوبوهم شوية، وبعدين دخلوهم المندرة وضربوهم بالنار، وسابوا المتهم الأصلي يجري. محمد المهندس كان بيقول: أنا ماليش دعوة.. أنا ضيف!، وبعدها سمعنا الطلقات.”

شاهد آخر أضاف: “اللي الحكومة كانت جاية عشانه هرب، ومسكوا أخوه الصغير والضيف وواحد تالت. حميد ده شاب في حاله، عنده 24 سنة، بعيد عن سكة أخوه. التصفية دي قرار من الضباط علشان يطلعوا نفسهم كسبانين”.

الواقعة أثارت تساؤلات واسعة بين الأهالي حول سبب إطلاق سراح المطلوب الرئيسي “حمو الدولي” قبل أشهر رغم خطورته، ولماذا لم تُنفذ ضده حملة منظمة في الجبل حيث يقيم، بدلاً من استهداف مدنيين أبرياء داخل القرية.

أحد الشهود قال بمرارة: “محمد جمال معروف في البلد، عليه قضيتين ضرب نار على الشرطة، واتقبض عليه قبل كده. طب ليه خرجوه؟ والنهارده الحكومة عارفة مكانه، ليه سايبينه وبيقتلوا ناس مالهاش ذنب؟”.

وبحسب روايات الأهالي، استمرت الحملة الأمنية قرابة ساعتين (من التاسعة حتى الحادية عشرة مساءً). وبعد تنفيذ التصفية، قامت القوات بنقل الجثامين الثلاثة بطريقة مخالفة للقانون، إذ تم لفها داخل بطاطين ونقلها إلى مستشفى أسوان العام — متجاوزة مشرحة مستشفى إدفو الأقرب — دون حضور النيابة العامة أو إجراء أي معاينة ميدانية.

وتعتبر الشبكة أن هذا الإجراء يمثل “تلاعبًا بالأدلة الجنائية وإهدارًا لحقوق الضحايا في التحقيق النزيه”.

وفي مساء الثلاثاء 21 أكتوبر، سُلّمت الجثامين إلى ذويهم لدفنها ليلاً، في ظروف وُصفت بأنها “غامضة ومتعجلة”، دون تمكين الأسر من توثيق الحالة أو الاعتراض على رواية الأجهزة الأمنية.

وحمّلت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان وزارة الداخلية — ممثلة في مركز شرطة إدفو — المسؤولية الكاملة والمباشرة عن جريمة القتل العمد خارج نطاق القانون بحق الضحايا الثلاثة، مؤكدة أن ما حدث يمثل “انتهاكًا صريحًا للدستور وللمواثيق الدولية التي تكفل الحق في الحياة وعدم التعرض للقتل التعسفي”.

كما وجّهت الشبكة اتهامًا للنيابة العامة بالتقاعس عن أداء واجبها في فتح تحقيق فوري وجاد، معتبرة أن هذا الصمت “تواطؤ غير مباشر يسهم في تكريس سياسة الإفلات من العقاب”.

فيما دعت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان السلطات المصرية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة، وجاءت مطالبها كالتالي:

  • فتح تحقيق قضائي عاجل ومستقل في واقعة القتل، مع تمكين أسر الضحايا ومحاميهم من الاطلاع على مجريات التحقيق.
  • محاسبة القيادات الأمنية التي أصدرت أوامر إطلاق النار، وعلى رأسهم الرائد محمد السيد الهاين.
  • إلزام النيابة العامة بأداء واجبها الدستوري في التحقيق في جميع وقائع التصفية المماثلة في محافظة أسوان وسائر المحافظات.
  • وقف سياسة وزارة الداخلية القائمة على تصفية المواطنين تحت مزاعم “الخطورة الإجرامية”، والتي تحولت إلى عمليات اغتيال ميدانية ممنهجة.

واختتمت الشبكة تقريرها بالتأكيد على التزامها الكامل بتوثيق كل الانتهاكات وملاحقة مرتكبيها قانونيًا وحقوقيًا، محليًا ودوليًا، إلى أن تتحقق العدالة، ويُحاسب المسؤولون عن جرائم القتل خارج نطاق القانون.

وأضاف التقرير أن استمرار هذه الممارسات يعكس انهيارًا خطيرًا في منظومة العدالة ويجسد حالة “تغوّل أمني” باتت تهدد أبسط حقوق الإنسان في الحياة والأمان، محذرًا من أن إفلات الجناة من العقاب سيؤدي إلى تطبيع العنف الرسمي داخل المجتمع.

https://www.facebook.com/ENHR2021/posts/847021064345621?ref=embed_post