شهدت مدينة طنطا بمحافظة الغربية خلال الساعات الماضية واقعة لا تقل إثارة وفضيحة عما تعيشه الانتخابات المصرية من فساد وسلوكيات مسيئة، حيث تناولت مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر فيه موظف بحي أول طنطا يستغيث ويشكو من اعتداء مرشح لانتخابات مجلس النواب عليه بالضرب أثناء تأديته لعمله، حيث قال: "اتقطعت سجلاتي.. والمرشح (محمد الغزيري) ضربني في صدري واعتدى عليّ وأنا بطلب الإسعاف".
 
انتشار هذا الفيديو أثار موجة غضب واسعة عبر منصات التواصل، خصوصًا في ظل تكرار حوادث العنف وفرض السيطرة بأساليب البلطجة من قبل بعض مرشحي النظام الحاكم، والتي لا تتناسب مع معايير المنافسة السياسية الحرة والنزيهة، بل تؤكد أن البعض من هؤلاء المرشحين يعتمد على العنف والإرهاب كأدوات لترهيب المعارضين وفرض السيطرة في الانتخابات.
تحريات النيابة العامة أكدت وقوع الحادثة وسرعة تحويل أطراف الواقعة للتحقيق في المحضر رقم 12475 إداري أول طنطا، إلا أن التحقيق كشف أن الواقعة نشبت عقب مشادة كلامية بين الطرفين، وأن الموظف تراجع عن ادعائه بالاعتداء الجسدي، وتم التصالح بينهم. وبرغم هذه التسوية، فإن ما حصل يعكس واقعًا مقلقًا ومخيفًا عن طريقة إدارة بعض المرشحين لحملاتهم الانتخابية بدلاً من التنافس القائم على البرامج والخطط.
المرشح محمد الغزيري، وهو من أبرز المتهمين في هذا الحادث، نفى اعتدائه على الموظف، مشيرًا إلى أنه يعاني من كسر في ذراعه مثبت عليه شرائح ومسامير، ما يجعل من المستحيل أن يكون قد ضرب أحدًا. وذكر أن الموظف صرح أمام النيابة بأن حزبا سياسيا هو من حرضه على تلك الاتهامات نظير موقفه كمرشح معارض. الغزيري أكد أنه هو من قدم بلاغًا رسميًا ضد الموظف لتوثيق ما جرى.
لكن القضية لا تتوقف عند مجرد مشاجرة أو تراجع ادعاءات، بل تكمن في السياق الأكبر لسلوكيات "بلطجة" بعض مرشحي النظام، الذين يستخدمون وسائل الترهيب والضرب ونشر الخوف لتأمين مكاسب انتخابية، مستغلين بذلك نفوذهم ومراكزهم. هذه التصرفات تمس بأي نزاهة أو شفافية في الانتخابات، وتُفقد مؤسسات الدولة ودوائرها مصداقيتها أمام جمهور الناخبين.
كما يشير الواقع إلى غياب تام لردع مثل هذه الأعمال، حيث لم تصل النجدة أو الإسعاف في الوقت المناسب، مما يعكس تقاعس الأجهزة المكلفة بحماية الموظفين والسلامة العامة في مواجهة تجاوزات أصحاب النفوذ الذين يفترض أنهم يخدمون الدولة.
هذا الحادث الذي جرى في طنطا ليس حالة معزولة، بل هو تجسيد لسياسة القمع التي تتبناها السلطة الحالية، والتي يستخدم فيها البعض من الحرس القديم وأذرع الدولة الإدارية لضمان بقاءهم في مواقع السيطرة عبر وسائل غير مشروعة، كالاعتداء البدني والضغط النفسي. هؤلاء المرشحون يمثلون وجهاً غير مشرف للديمقراطية في مصر، حيث الحماية الشخصية والفردية تستبدل بسيطرة القوة والبلطجة.
من هذا المنطلق، يتوجب على الجهات القضائية والنيابية اتخاذ إجراءات رادعة بحق كل من يحاول فرض إرادته بالضرب والبلطجة، وأن يتم التحقيق بشكل شفاف ومنصف بعيدًا عن الحسابات السياسية، لأن السماح بهذه الأعمال يعزز مناخ الفساد ويؤكد غياب دولة القانون.
وعلى الأجهزة الأمنية أن تعزز من إجراءات حماية موظفي الدولة وعدم السكوت عن أي اعتداء بحقهم مهما كانت هوة الجهة المعتدية، لأن الموظف العمومي هو خط الدفاع الأول عن حقوق المواطنين، ويجب أن يمارس عمله بحرية وأمان بعيدًا عن أي تهديد أو ارهاب من طرف مرشحين يتحينون فرصة الانتخابات ليتمكنوا من حكم المنطقة بالقوة.
في النهاية، فإن مشاهد هذا الفيديو وغيرها التي تتكرر في الانتخابات المصرية تحمل رسالة واضحة تجاه خطورة استمرار محاولات فرض السيطرة بأساليب غير قانونية.


 
						
											 
 
					     
 
					     
									 
									 
									