أعلنت الشركة المصرية للاتصالات أن مجلس إدارتها منح موافقته المبدئية على عرض ملزم من شركة استثمارية بريطانية (Helios Investments) للاستحواذ على حصة أغلبية في كيان سيملك مجمع مراكز البيانات الإقليمي (RDH).
العرض يقترح أن تستحوذ هيليوس على نسبة تتراوح بين 75% و80% من الكيان الجديد، فيما ستحتفظ المصرية للاتصالات بحصة تتراوح بين 20% و25%، وبقيمة تقييمية ابتدائية للمجمّع بـ230 مليون دولار قد ترتفع إلى 260 مليون دولار عند تحقق أهداف أداء محددة.
ما الذي يُباع بالضبط؟
مجمع RDH هو مشروع متعدد المراحل أُعلن عنه عام 2020 ودخل جزءه الأول الخدمة في 2021 بسعة تشغيلية تقريبية 2.5 ميجاوات (IT load)، ووُصِف بأنه وصل لملء السعة خلال عام واحد.
المرحلة الثانية (RDH2) مخططة لقرابة 4.6 ميجاوات، وعلى مستوى الإطلاق الكامل يمكن للمجمع احتضان نحو 4,000 رف للخوادم عبر أربعة مبانٍ، ما يجعله أحد أكبر مشاريع «الداتا سنتر» في مصر.
الاتفاق المقترح يضع القيمة الابتدائية للمجمع على أساس خالٍ من الديون والنقد عند 230 مليون دولار مع إمكان زيادتها إلى 260 مليوناً وفق شروط الأداء.
المخاوف الأمنية وخصوصية البيانات
نقاشات واسعة أثارها قرار دخول شريك أجنبي بهذا الحجم في بنية تحتية رقمية استراتيجية، فتفويت إدارة وتملك مجمع استضافة بيانات مركزي إلى مستثمر أجنبي يفتح الباب أمام خطر تسهيلات الوصول إلى بيانات مواطنين ومؤسسات مصرية، وتعريض سيادة البيانات لمخاطر نقل أو تخزين خارجي للبيانات، أو لآليات ضغط تجارية وسياسية لاحقة.
حتى في حال بقاء نسبة ملكية للشركة الوطنية، فإن السيطرة الفعلية على العمليات والتشغيل عادةً ما تمكّن المشتري الأغلب من اتخاذ القرارات التشغيلية والتقنية الحاسمة.
الاقتصاد مقابل السيادة
المسوغات الرسمية لبيع أو شراكة من هذا النوع تقف عند جلب استثمارات وتعزيز الخبرة وتوسيع السوق المحلية والإقليمية.
المدافعون عن الصفقة يشيرون إلى أن استثماراً بقيمة مئات الملايين سيعزز القدرة التنافسية ويجذب عملاء إقليميين، بينما يحذر اقتصاديون مستقلون من أن العائد المالي المباشر (230–260 مليون دولار) قد يبدو مرضياً على الورق لكنه لا يعكس القيمة الاستراتيجية الطويلة الأمد لمواقع واستثمارات البُنى التحتية الرقمية التي تُعد مكوناً أساسياً للاقتصاد الرقمي القومي.
آراء الخبراء؟
أعلنت الشركة المصرية للاتصالات عن موافقتها المبدئية في اجتماع مجلس الإدارة بتاريخ 3 سبتمبر 2025، فيما أصدرت هيليوس بيانها الرسمي المؤرخ 8 سبتمبر 2025 الذي أكد نية الاستحواذ والشراكة لتوسيع نشاط مراكز البيانات في مصر.
من جهة السياسة، وضمن خطابات متكررة لتعزيز الاستثمارات الأجنبية، شدد قائد الانقلاب العسكري في اجتماعات سابقة على أهمية تطوير البنية التحتية للاتصالات وجذب المستثمرين كجزء من خطة تحديث الاقتصاد الوطني.
لكن تلك الدعوات للاستثمار تُقابلها تساؤلات حول ضوابط الحوكمة، الضمانات القانونية لحماية البيانات، ومستوى الشفافية في شروط الصفقة.
من أين يستثمرون ولماذا؟
هيليوس هي شركة استثمارٍ مُركّزة على أفريقيا مقرها لندن، ولها محفظة استثمارات في البنية التحتية الرقمية بالمنطقة.
استراتيجيتها تستند إلى شراء حصص كبيرة لتطوير ودمج الأصول ثم توسيع نطاق أعمالها إقليمياً؛ ما يفسّر اهتمامها بالمجمعات الكبيرة مثل RDH.
لكن دخول مستثمر أجنبي من هذا النوع في قطاع حساس يُثير تساؤلات دبلوماسية وتجارية من قِبل المجتمع المدني المحلي وخبراء الأمن السيبراني بشأن الضمانات المتاحة للحفاظ على سرية وخصوصية البيانات والمصالح الوطنية.
خصخصة الأصول المصرية
خلال الأعوام الأخيرة، كان هناك توجه حكومي ملحوظ لخصخصة عدد من الأصول المهمة ومنها مراكز بيانات وبنايات تاريخية كـ"مجمع التحرير" والذي سبق وأن أثار أزمة بسبب تدخلات حكومية وتعثرات مع مستثمرين أجانب.
هذا الاشتباك يعكس إرهاصات النزاعات بين القطاع العام والخاص الأجنبي على حساب الأمن القومي ومصالح البلاد الاقتصادية
اختيارات النظام وتبعاتها
القرار ليس مجرد صفقة مالية، بل اختيار استراتيجي يعكس رؤية النظام الاقتصادي والسياسي في مصر تحت حكم قائد الانقلاب العسكري.
هل تُعطى الأولوية للسيولة وحجم الاستثمارات على حساب السيطرة الوطنية على البنية التحتية الحيوية؟
هل ثمة آليات رقابية ومؤسساتية كافية لضمان أن تكون هذه الشراكات خدمة للمواطن لا تهديداً لخصوصيته وسيادته؟