مع بداية العام الدراسي الجديد 2025/2026، وجد أولياء الأمور أنفسهم أمام أزمة جديدة تُثقل كاهلهم، حيث ارتفعت أسعار الكتب الخارجية رغم تراجع أسعار الورق عالميًا وانخفاض نسبي في سعر الدولار.
تصريحات عمرو خضر، رئيس شعبة الورق باتحاد الغرف التجارية، جاءت لتؤكد أن ما يحدث ليس إلا "استغلالًا فجًا" للمواطنين في غياب أي تدخل حكومي فعّال.
هذا الوضع يكشف مرة أخرى عجز الدولة عن ضبط الأسواق، بل ويثير شكوكًا حول تواطؤ بعض الجهات المستفيدة من إبقاء الأسعار مرتفعة على حساب ملايين الأسر.
التناقض الصارخ بين الواقع والأسعار
بحسب خضر، فإن أكبر مناقصة للكتب المدرسية في مصر لموسم 2025/2026 جاءت بأسعار أقل بنسبة 20% مقارنة بالموسم الماضي 2024/2025، نتيجة انخفاض أسعار الورق منذ مارس الماضي.
كما أشار إلى أن أسعار الورق عالميًا تراجعت من 20 إلى 30% خلال الأشهر التسعة الأخيرة، بينما انخفض الدولار من مستويات 50 جنيهًا إلى نطاق 48 – 49 جنيهًا.
ورغم ذلك، ارتفعت أسعار الكتب الخارجية في المكتبات بشكل ملحوظ، في تناقض صارخ مع المؤشرات الاقتصادية. هذا الارتفاع لا يمكن تفسيره إلا كونه استغلالًا متعمدًا للسوق، في ظل غياب أي رقابة حكومية تحمي المستهلك.
الشركات الوطنية تخفّض.. والمواطن لا يستفيد
المثير للسخرية أن شركتين وطنيتين مملوكتين للدولة، واللتين تغطيان نحو 80 – 90% من إنتاج الورق المحلي، قامتا بتخفيض الأسعار ثلاث مرات هذا العام.
أي أن تكلفة الإنتاج الفعلية للورق أقل بكثير مما يُروّج له تجار الكتب الخارجية.
لكن المواطنين لم يشعروا بأي انعكاس لهذه التخفيضات على أسعار الكتب التي ارتفعت بدلاً من أن تنخفض. هذا يطرح تساؤلًا حادًا: أين تذهب هذه الفروق؟ ومن المستفيد من بقاء الأسعار عند مستويات مرتفعة بينما الحكومة تلتزم الصمت؟
غياب الرقابة وتحول التعليم إلى سوق مفتوح للاستغلال
تصريحات خضر تعكس بوضوح أن تكلفة الورق تمثل ما بين 70 – 80% من سعر الكتاب، في حين لا تزيد تكلفة الطباعة والعمالة والكهرباء عن 20 – 30%. ومع تراجع المكون الرئيسي، كان يفترض أن تنخفض أسعار الكتب، لكن الواقع جاء عكس ذلك.
هذا يعكس خللًا في السوق وغيابًا كاملًا للرقابة الحكومية. فوزارة التربية والتعليم تكتفي بطرح كتبها المدرسية بأسعار محددة، لكنها لا تتحرك لضبط سوق الكتب الخارجية التي يعتمد عليها ملايين الطلاب في المراحل التعليمية المختلفة، باعتبارها وسيلة أساسية للمذاكرة والدروس الخصوصية.
الأسر المصرية بين مطرقة الغلاء وسندان الاستغلال
الأزمة الحالية تضاعف الأعباء على الأسر المصرية التي تواجه أصلًا أزمة معيشية طاحنة. فوفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تجاوزت معدلات الفقر 30% من السكان، بينما يلتهم التضخم دخول المواطنين. ومع ارتفاع أسعار المستلزمات الدراسية، يضطر أولياء الأمور للاختيار بين شراء كتب خارجية أو الاكتفاء بالمذكرات الرخيصة التي غالبًا لا تغطي احتياجات أبنائهم.
بهذا تتحول "العملية التعليمية" إلى عبء مالي لا يُطاق، بدلًا من أن تكون حقًا مكفولًا للجميع. في الوقت نفسه، تقف الحكومة موقف المتفرج، وكأنها غير معنية بحماية المواطن من جشع التجار.
الحكومة تتهرب من المسؤولية
المطالب التي أطلقها خضر بضرورة تدخل جهاز حماية المستهلك والجهات الرقابية، تكشف حجم الفجوة بين ما هو مفترض أن تقوم به الدولة وما يجري فعليًا. فالحكومة، التي تتباهى بأنها "تدعم التعليم"، تتقاعس عن أبسط مهامها: ضبط الأسعار ووقف الاستغلال.
بل إن البعض يرى أن استمرار الفوضى في سوق الكتب الخارجية قد يخدم الدولة نفسها، لأنها تدفع أولياء الأمور دفعًا نحو القبول بكتب الوزارة فقط، ما يعني فرض "احتكار مقنع" لسوق التعليم.
وفي ضوء ما سبق فارتفاع أسعار الكتب الخارجية رغم انخفاض أسعار الورق وسعر الصرف يعكس خللًا عميقًا في إدارة الدولة للأسواق، ويؤكد أن المواطن المصري أصبح فريسة سهلة لجشع التجار في ظل غياب أي حماية حقيقية. تصريحات عمرو خضر وضعت النقاط على الحروف: الأزمة ليست اقتصادية بقدر ما هي أزمة غياب إرادة سياسية ورقابية. وإذا استمرت الحكومة على هذا النهج، فإن التعليم سيظل سوقًا للاستغلال، والأسر المصرية ستدفع الثمن مضاعفًا: مرة في لقمة العيش، ومرة في مستقبل أبنائها.