أثار قرار إسرائيل وقف إدخال المساعدات الإنسانية من الأردن إلى قطاع غزة وتحويلها حصراً عبر مصر، جدلاً واسعاً حول ما إذا كانت تل أبيب تحاول إظهار عبد الفتاح السيسي كمنفذ مطيع لإرادتها، في مشهد يعكس تبعية سياسية أكثر منه تنسيقاً إنسانياً.
فقد جاء هذا التحول مباشرة بعد عملية معبر الكرامة التي نفذها سائق شاحنة أردني، لتغلق إسرائيل المعبر وتوجّه المساعدات عبر البوابة المصرية وحدها، في خطوة قرأها مراقبون على أنها توظيف لعلاقة القاهرة بتل أبيب لإحكام السيطرة على غزة، وإظهار مصر كشريك يخدم الأولويات الإسرائيلية.
 

تفاصيل العملية
بحسب الرواية الإسرائيلية، فإن المنفذ الأردني بدأ العملية الخميس الماضي بإطلاق النار على الجنود الإسرائيليين المتواجدين عند المعبر، ثم استعمل سكيناً للتأكد من قتلهم. وقد تسببت العملية بمقتل جنديين على الفور، قبل أن تتمكن القوات الإسرائيلية من السيطرة على الموقف. ووفق مصادر عبرية، كان المنفذ يقود شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية المتجهة إلى قطاع غزة، وهو ما منح العملية أبعاداً إضافية تتعلق بالثقة في ترتيبات نقل المساعدات والرقابة عليها.
 

التداعيات المباشرة
أعلنت هيئة البث الإسرائيلية وقف إدخال المساعدات الإنسانية من الأردن إلى غزة "حتى إشعار آخر"، مؤكدة أن المساعدات ستدخل عبر مصر فقط وبإشراف المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل. كما تم إغلاق معبر الكرامة بالكامل من الجانب الإسرائيلي، ما يعكس مستوى القلق الأمني لدى تل أبيب، خصوصاً أن هذا المعبر يعد شرياناً أساسياً للتواصل بين الأردن والأراضي الفلسطينية.
القرار الإسرائيلي يعني عملياً تعطيل دور الأردن المباشر في عملية إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وهو تطور حساس في وقت تشهد فيه المنطقة ضغوطاً متزايدة لتأمين الإغاثة للفلسطينيين المحاصرين.
 

الموقف الأردني
من الجانب الأردني، أكد وزير الاتصال الحكومي والناطق باسم الحكومة، محمد المومني، أن الجهات المختصة تتابع ما جرى ميدانياً، وأن الحكومة ستعلن عن أي تفاصيل جديدة فور ورودها. هذا الموقف العلني المتحفظ يعكس حرج عمان، إذ تجد نفسها مضطرة للتعامل مع الحادثة بحذر شديد لتجنب الانزلاق في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه الحفاظ على التزاماتها تجاه الشعب الفلسطيني ودورها الإقليمي.
 

دلالات العملية
توقيت حساس: العملية جاءت في ظل تصاعد الغضب الشعبي العربي والإسلامي من الحرب الإسرائيلية على غزة.
اختيار المنفذ تنفيذ هجومه عبر شاحنة مساعدات إنسانية يعكس بعداً رمزياً قوياً، حيث حاول إيصال رسالة بأن المساعدات لا تكفي أمام استمرار القتل، وأن الرد قد يكون مباشراً.

أثر أمني على المعابر: العملية كشفت ثغرة أمنية خطيرة بالنسبة لإسرائيل، إذ أن منفذ العملية كان داخل منطقة خاضعة لتفتيش ورقابة مشددة. هذا يثير تساؤلات حول فعالية الإجراءات الأمنية في أكثر المعابر حساسية.
انعكاسات إنسانية: وقف إدخال المساعدات من الأردن سيؤدي إلى تعقيد إضافي في مسار إيصال الإغاثة إلى غزة، التي تعتمد بشدة على أي منفذ يسمح بوصول المواد الغذائية والطبية. تحويل المسار بالكامل إلى مصر يزيد الضغط على معبر رفح والمرافق المصرية التي تعاني أصلاً من ازدحام شديد.
تصعيد سياسي محتمل: هذه العملية قد تشكل ورقة ضغط جديدة في العلاقات الأردنية–الإسرائيلية، التي تشهد أصلاً فتوراً منذ سنوات، تفاقم بعد المواقف الأردنية الرافضة للسياسات الإسرائيلية في القدس وغزة.
انعكاسات على الداخل الإسرائيلي
على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، قد تستغل حكومة نتنياهو هذه العملية لتعزيز خطابها الأمني، والتأكيد على أن إسرائيل محاصرة من "التهديدات" حتى عند حدودها مع الأردن، الدولة التي تجمعها بها اتفاقية سلام منذ عام 1994. كما يمكن أن تُستخدم الحادثة لتبرير تشديد القيود الأمنية على إدخال المساعدات، وربما إبطاء وتيرة الاستجابة للضغوط الدولية بضرورة فتح ممرات إنسانية.
 

سيناريوهات قادمة
من المرجح أن تسعى إسرائيل لتشديد التنسيق الأمني مع الأردن، وربما فرض رقابة مشتركة على الشحنات الإنسانية. في المقابل، قد يجد الأردن نفسه مضطراً لتوضيح ملابسات العملية، خشية أن تؤثر سلباً على دوره التقليدي كوسيط وراعٍ للمقدسات الإسلامية في القدس. أما على المستوى الإقليمي، فمن المتوقع أن تزيد هذه العملية من تعقيد الموقف الإنساني في غزة، وتوفر ذريعة إضافية لإسرائيل لتقليص مسارات إدخال المساعدات.

وأخيرا فإن عملية معبر الكرامة تعكس تداخل الأبعاد الأمنية والإنسانية والسياسية في المشهد الإقليمي الراهن. فهي ليست مجرد هجوم فردي، بل حدث يعكس حجم التوتر المتراكم جراء الحرب على غزة، ويفتح الباب أمام أزمة جديدة في ملف المساعدات الإنسانية. وإذا لم تتم معالجة آثارها سريعاً، فقد تتحول إلى نقطة خلاف جوهرية بين الأردن وإسرائيل، وتزيد من معاناة المدنيين الفلسطينيين الذين يدفعون الثمن الأكبر.