بين جدران مستشفى صغير في دير البلح بقطاع غزة، يرقد الطفل راتب، صاحب السنوات التسع، وقد استبدل الأطباء ساقه الصغيرة بنبوب بلاستيكي مؤقت بعد أن بُترت في غارة إسرائيلية أودت بحياة والدته. مشهد الجرح المفتوح يختزل قصة مئات الأطفال في غزة الذين دفعوا ثمناً باهظاً للحرب، لكن في عيني راتب يلمع بريق لا ينطفئ: الأمل.

الغارة التي قلبت حياته رأساً على عقب لم تسلبه فقط جزءاً من جسده، بل خطفت منه الحنان الأول، والدته، التي رحلت بين الركام. بقي راتب وحيداً في مواجهة الألم، يصارع صرخات الجسد الناقص ووجع الفقد، فيما والده ما زال بعيداً عنه، يعيش هو الآخر على أمل اللقاء.

في غرفته الضيقة بالمستشفى، تحاول الممرضات التخفيف من معاناته، لكن الجرح أكبر من أن يداوى بالمراهم. راتب يتألم جسدياً ونفسياً، وفي كل مرة ينظر إلى النبوب البلاستيكي الذي يثبت مكان ساقه، يزداد إصراره على استعادة حياته. يقول ببراءة الأطفال: "أريد أن ألعب كرة القدم من جديد، أريد أن أركض مثل أصحابي، أريد ساقاً حقيقية"، ثم يضيف بصوت منخفض: "وأريد أن أرى أبي".

الأطباء يؤكدون أن حالته تستلزم تركيب طرف صناعي متطور حتى يتمكن من المشي والعودة إلى حياته الطبيعية، لكن الحصار والظروف القاسية التي يعيشها القطاع تجعل الأمر بالغ الصعوبة. المعدات نادرة، والإمكانات شحيحة، والطفولة تُحاصر بين الحروب والدمار.

رغم ذلك، يواصل راتب التمسك بأحلامه البسيطة: أن يعود إلى مدرسته، أن يحمل حقيبته من جديد، أن يضحك بين زملائه دون أن يشعر بالنقص. هذا الأمل هو ما يمنحه القوة لتجاوز جلسات العلاج المؤلمة والليالي الطويلة التي يقضيها وحيداً على سريره.

قصة راتب ليست مجرد مأساة فردية، بل هي مرآة لآلاف القصص التي تشهدها غزة يومياً. أطفال يفقدون آباءهم وأمهاتهم، وآخرون يفقدون أطرافهم أو أحلامهم. ومع ذلك، يصرون على الحياة، يتمسكون بالابتسامة، ويحلمون بغدٍ أفضل بعيداً عن صوت القنابل.

راتب اليوم يعيش على أملين: أن يجتمع مجدداً مع والده، وأن يحصل على طرف صناعي يعيده إلى الحياة. وبين هذين الأملين، يظل الطفل نموذجاً لقوة الإرادة وسط الركام، ودليلاً على أن إنسانية الفلسطينيين لا تُهزم مهما اشتد الألم.