دخلت الحرب الإسرائيلية على غزة منعطفًا خطيرًا مع إعلان جيش الاحتلال تنفيذ هجوم بري واسع على قلب المدينة، غداة زيارة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى تل أبيب، في خطوة وصفت بأنها الأخطر منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023.
القصف العنيف والتوغل بالدبابات خلّفا عشرات القتلى والجرحى في يوم واحد، بينما اشتعل الجدل داخل إسرائيل بين مؤيد ومعارض للعملية.
في المقابل، جاءت ردود حماس، ومواقف عائلات الأسرى الإسرائيليين، وتصريحات ترامب، لتزيد المشهد تعقيدًا، وسط حصيلة إنسانية كارثية غير مسبوقة.
تفاصيل الهجوم البري على غزة
مع ساعات الليل الأولى، أعلنت وسائل إعلام عبرية أن قوات الاحتلال بدأت عملية عسكرية برية واسعة النطاق للسيطرة على مدينة غزة. وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية بمقتل 38 شخصًا منذ صباح الثلاثاء جراء قصف عنيف استهدف منازل ومربعات سكنية بكاملها. شهود عيان أكدوا أن العملية هي الأعنف منذ عامين، بينما وصف الدفاع المدني ما يجري بأنه "مجزرة كبيرة" مع بقاء مئات المدنيين تحت الأنقاض.
الخلافات داخل إسرائيل
لم يكن القرار الإسرائيلي محل إجماع داخلي. صحيفة جيروزاليم بوست كشفت أن رئيس الأركان إيال زامير عارض خطة نتنياهو، معتبرًا أن الهجوم قد يفاقم الخسائر دون تحقيق نتائج استراتيجية. لكن نتنياهو تمسّك برؤيته، مؤكدًا أن "غزو المدينة سيُلحق بحماس هزيمة أكبر من تلك التي تكبدتها خلال العامين الماضيين". وزير الدفاع يسرائيل كاتس بدوره صرّح أن "غزة تحترق" وأن العملية ستستمر حتى تحقيق أهدافها.
زيارة ماركو روبيو ودعم واشنطن
زيارة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى إسرائيل كانت بمثابة الغطاء السياسي للهجوم. روبيو التقى نتنياهو وأكد دعم واشنطن الكامل للعملية العسكرية، مشددًا على أن أمام حماس "مهلة قصيرة جدًا" للقبول باتفاق لوقف إطلاق النار. اللافت أن الوزير الأمريكي غادر إسرائيل متوجهًا إلى قطر، في جولة إقليمية يُنظر إليها على أنها جزء من ضغوط أمريكية لإيجاد مخرج تفاوضي للأزمة.
موقف عائلات الأسرى في إسرائيل
في إسرائيل، أثارت العملية غضب "منتدى عائلات الرهائن والمفقودين" الذين حذّروا من أن التصعيد قد يودي بحياة المحتجزين في غزة. ووفق التقديرات الرسمية، تحتجز حماس 48 إسرائيليًا بينهم 20 على قيد الحياة، بينما يواجه أكثر من 10 آلاف و800 فلسطيني ظروفًا قاسية في سجون الاحتلال. العائلات وصفت قرار الحكومة بأنه "مغامرة غير محسوبة" قد تقتل أبناءها بدل إنقاذهم.
تصريحات ترامب
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب دخل على خط الأزمة عبر منصته "تروث سوشيال"، متهمًا حماس باستخدام الأسرى الإسرائيليين "دروعًا بشرية". ترامب حذّر من أن هذه الخطوة ستقضي على أي أمل في وقف الحرب، داعيًا الحركة إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين فورًا. لكن تصريحاته وُصفت بأنها تبنٍّ كامل للرواية الإسرائيلية، وتجاهل للكارثة الإنسانية في غزة.
رد حماس
حركة حماس ردّت ببيان رسمي نفت فيه استخدام الأسرى كدروع بشرية، واعتبرت تصريحات ترامب "تجسيدًا صارخًا لازدواجية المعايير". الحركة حمّلت نتنياهو المسؤولية الكاملة عن حياة الأسرى، وأشارت إلى أن الهجوم على قياداتها في الدوحة، خلال اجتماع لمناقشة مقترحات أمريكية للتهدئة، دليل على أن إسرائيل وواشنطن لا تبحثان عن حلول حقيقية. البيان شدد على أن استمرار "التدمير الممنهج وحملة الإبادة" يهددان حياة الجميع في القطاع.
الحصيلة الإنسانية الشاملة
منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى اليوم، كشفت وزارة الصحة الفلسطينية عن حصيلة مروعة: 65 ألف شهيد وأكثر من 164 ألف مصاب.
الحصار الإسرائيلي أدى أيضًا إلى وفاة 413 شخصًا بينهم 143 طفلًا نتيجة الجوع ونقص المساعدات.
هذه الأرقام تعكس حجم الكارثة التي يعيشها سكان غزة وسط صمت دولي ودعم أمريكي مستمر لإسرائيل.
وفي النهاية فالهجوم البري على مدينة غزة ليس مجرد عملية عسكرية عابرة، بل محطة فاصلة في حرب مستمرة منذ عامين. التباينات داخل إسرائيل، الدعم الأمريكي الصريح، غضب عائلات الأسرى، وردود حماس كلها عناصر تضع المشهد أمام سيناريوهات مفتوحة على مزيد من الدماء والدمار. وفي ظل حصيلة إنسانية كارثية تجاوزت كل المقاييس، يبقى السؤال: إلى متى يستمر المجتمع الدولي في تجاهل أكبر مأساة إنسانية يشهدها القرن الحالي؟