في الوقت الذي تنشغل فيه العواصم العربية والإسلامية بعقد قمم طارئة لا تخرج بنتائج عملية، جاءت رسالة ميدانية جديدة من اليمن، لتضع النقاط فوق الحروف: الأفعال على الأرض أهم من الكلمات الرنانة. المتحدث العسكري باسم جماعة أنصار الله، العميد يحيى سريع، أعلن تنفيذ عملية نوعية استخدمت فيها الجماعة أربع طائرات مسيّرة، استهدفت مطار "رامون" في منطقة أم الرشراش، جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبينما تكتفي القمم بخطابات مطولة، فإن هذه العملية جسّدت حقيقة أن "المسيرة الواحدة خير من قمم بلا أفعال".
إعلان أنصار الله عن العملية
في بيان رسمي بثته وسائل إعلام تابعة للجماعة، كشف العميد يحيى سريع أن أربع طائرات مسيّرة شاركت في الهجوم على مطار رامون بمدينة أم الرشاش بتل أبيب. وأكد أن ثلاثًا منها أصابت أهدافها بدقة، فيما وصف الهجوم بأنه "عملية نوعية" تستهدف ضرب المرافق العسكرية والاقتصادية للكيان الصهيوني. سريع شدد على أن هذه الضربة تأتي ضمن موقف مبدئي ثابت لأنصار الله في دعم الشعب الفلسطيني وردع إسرائيل عن جرائمها في غزة والقدس.
تفاصيل الضربة النوعية
بحسب البيان، العملية جرت في توقيت مدروس، لتضرب المطار الواقع في منطقة حساسة قريبة من المثلث المصري-الأردني-الفلسطيني المحتل. وقد استهدفت المسيّرات مرافق حيوية داخل المطار، بينها مدرجات ومبانٍ خدمية مرتبطة بالحركة الجوية. اختيار هذا الهدف بعينه لم يكن عشوائيًا، إذ يُعتبر مطار رامون واحدًا من المرافق التي تراهن عليها إسرائيل لتعويض تراجع الحركة في مطار بن غوريون وسط العمليات العسكرية في غزة.
التأثير المباشر على إسرائيل
الهجوم أحدث حالة استنفار كبيرة داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية. تقارير عبرية تحدثت عن تعطيل مؤقت لحركة الطيران وإخلاء بعض المنشآت كإجراء احترازي، فيما حاولت جهات رسمية التخفيف من أثر الضربة عبر الحديث عن "اعتراض" المسيّرات. لكن مجرد وصول الطائرات إلى أجواء المطار وتنفيذ ثلاث ضربات ناجحة يضع علامات استفهام على جاهزية الدفاعات الجوية الإسرائيلية، خاصة في منطقة تُعتبر من أكثر المناطق تحصينًا لارتباطها بقطاع السياحة.
الرسائل الإقليمية للعملية
توقيت الضربة تزامن مع اجتماعات القمة العربية الإسلامية، التي خرجت كالعادة بخطابات وبيانات تنديد، دون قرار عملي واحد يدخل مساعدات إلى غزة أو يوقف آلة الحرب الإسرائيلية. المفارقة بين القمم التي "لا تغني ولا تسمن من جوع" وبين طائرة مسيّرة تصيب هدفًا حساسًا، كشفت بوضوح الفارق بين الخطاب الرسمي والتحرك الميداني. أنصار الله أرادوا القول إن الفعل المقاوم هو وحده الذي يفرض وقائع على الأرض.
أنصار الله وتصاعد العمليات ضد الكيان
العملية الجديدة ليست الأولى من نوعها. ففي الأشهر الماضية نفذت الجماعة هجمات استهدفت أهدافًا إسرائيلية باستخدام صواريخ ومسيّرات بعيدة المدى، بعضها انطلق من العمق اليمني لمسافات تتجاوز الألف كيلومتر. هذا التطور في القدرات العسكرية يعكس نجاح أنصار الله في تطوير ترسانتهم الجوية، وتحويلها إلى ورقة ضغط إقليمية، خصوصًا في سياق الحرب الدائرة على غزة. ضرب مطار رامون يمثل حلقة جديدة في مسار تصاعدي يربط جبهة اليمن بجبهات المقاومة الأخرى في لبنان وغزة.
المعنى السياسي والعسكري
العملية تحمل أبعادًا سياسية بقدر ما هي عسكرية. فهي تُظهر أن محور المقاومة قادر على تهديد العمق الإسرائيلي بأدوات غير تقليدية، في الوقت الذي تفشل فيه الحكومات العربية في مجرد الضغط السياسي. كما أنها تعزز معنويات الشارع العربي والإسلامي، الذي يرى بأم عينه أن أفعال المقاومة توازي عشرات الخطب العنترية التي لا تتجاوز منابر القمم. الرسالة واضحة: طائرة مسيّرة قادرة على تغيير موازين الردع أكثر مما تفعله بيانات مطولة لا تسمن ولا تغني من جوع.
المسيّرة أقوى من القمة
بينما يواصل نتنياهو تهديداته بمزيد من الدم والدمار، جاءت المسيّرات اليمنية لتكسر صورة الحصانة الأمنية الإسرائيلية، وتؤكد أن الدعم الحقيقي للفلسطينيين لا يأتي من قاعات الفنادق الفاخرة، بل من ساحات المقاومة. ومهما حاولت الحكومات العربية تغطية عجزها ببيانات دبلوماسية، فإن الحقيقة باتت واضحة أمام الشعوب: المسيرة الواحدة، بتأثيرها ووقعها، خير من قمم بلا أفعال.