في خطوة أثارت استياءً واسعًا في الأوساط العربية والإسلامية، زار وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو القدس المحتلة، ووقف عند حائط البراق برفقة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو والسفير الأمريكي، وأدى طقوسًا دينية تلمودية. هذه الزيارة لم تكن بروتوكولية عابرة، بل رسالة سياسية ودينية واضحة: أن الدعم الأمريكي لإسرائيل يتجاوز السياسة والمصالح إلى عقيدة راسخة وهوية استراتيجية.
واشنطن والازدواجية الفاضحة
بينما تسيلُ دماءُ الفلسطينيين في غزة جراء العدوان الإسرائيلي، وبينما تتصاعد التهديدات ضد شعوب المنطقة، يواصل المسؤولون الأمريكيون إرسال إشارات الانحياز المطلق لإسرائيل. تصريحات إدارة ترامب السابقة عن "حل الدولتين" أو "التزام أمريكا بالسلام" لم تكن سوى خطابات جوفاء، فالواقع يثبت أن واشنطن ترى في أمن إسرائيل أولوية عقائدية، حتى لو كان الثمن هو إبادة العرب والتغطية على جرائم الحرب.
رسالة دعم صريحة للعدو
الخبير العسكري محمود جمال اعتبر المشهد بمثابة إعلان موقف صريح، وقال: "اليوم يقف وزير الخارجية الأمريكي داخل الكيان، بعد قصف الدوحة، في رسالة دعم صريحة للعدو. على العرب أن يعيدوا النظر في تحالفاتهم مع واشنطن قبل فوات الأوان."
تصريحات جمال تعكس المخاوف من أن تتحول المنطقة إلى رهينة التحالف الأمريكي–الإسرائيلي، بينما يُترك العرب في مواجهة التهديدات دون غطاء سياسي أو عسكري حقيقي.
الحائط حائط البراق لا المبكى
من جانبه، شدد الشيخ كامل الخطيب على البعد الديني والحقوقي للقضية، قائلاً: "إنه حائط البراق، الحائط الغربي من المسجد الأقصى المبارك، الذي هو حق خالص لنا نحن المسلمين، وليس لغيرنا حق فيه ولو في ذرة تراب. لن يغير من هويته الكِيباه اليهودية التي يضعها نتنياهو أو غيره."
الخطيب ذكّر الأمة بأن زيارة المسؤولين الأمريكيين لهذا الموقع ليست سوى محاولة لفرض الرواية الصهيونية وتثبيتها بدعم غربي، في مواجهة الحقيقة التاريخية والشرعية الإسلامية.
رسالة عقائدية للعرب
الإعلامي التونسي حسام الهمادي رأى أن المشهد يتجاوز السياسة إلى العقيدة، قائلاً: "زار اليوم وزير الخارجية الأمريكي ما يسمى بحائط المبكى في القدس برفقة مجرم الحرب نتنياهو، وتلوا صلواتٍ تلمودية. هذه رسالة للعرب والمسلمين: أمريكا حليفكم الاستراتيجي تؤكد وحدة المصير بينها وبين الكيان، طبعًا، بمنظورٍ دينيٍّ بحت."
الهمادي هنا يشير إلى أن واشنطن لم تعد تخفي انحيازها، بل تسوّق له باعتباره التزامًا دينيًا، لتقطع الطريق أمام أي أوهام حول إمكانية وساطتها كـ"طرف محايد".
فضيحة للعرب المطبّعين
الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة اعتبر أن الزيارة "فضيحة جديدة للعرب المهرولين للتطبيع"، وقال: "حين يقف وزير خارجية أمريكا عند حائط البراق، فهو يعلن تبنيه للرواية الصهيونية جملةً وتفصيلًا. لكن الفضيحة ليست في موقفه، بل في صمت العرب الذين يلهثون وراء واشنطن ويقدمون الولاء للبيت الأبيض، بينما يُباع الأقصى قطعة قطعة."
الزعاترة ربط بين المشهد والدور العربي الرسمي الذي يغطي هذه الانتهاكات بالصمت أو التواطؤ.
تواطؤ رسمي وخيانة سياسية
الكاتب الفلسطيني نظام المهداوي وصف الزيارة بأنها "إهانة متعمدة للأمة العربية والإسلامية"، مضيفًا: "المصيبة ليست فقط في وقوف وزير الخارجية الأمريكي عند حائط البراق، بل في أن أنظمة عربية ترى في أمريكا راعيًا وضامنًا لأمنها، بينما تكون شريكًا في اغتصاب القدس وقتل الفلسطينيين."
المهداوي شدد على أن واشنطن وإسرائيل وجهان لعملة واحدة، وأن التواطؤ الرسمي العربي يمنحهم الضوء الأخضر لمواصلة سياسات التهويد والتطهير.
الخلاصة
فإن زيارة وزير الخارجية الأمريكي لحائط البراق ليست مجرد زيارة دبلوماسية، بل رسالة عقائدية تؤكد أن الانحياز لإسرائيل ثابت في الهوية السياسية الأمريكية، مهما تغيّرت الإدارات. وبينما تواصل واشنطن ترديد شعارات "السلام" و"التعايش"، فإنها في الواقع تمارس سياسة تقوم على الاستهانة بدماء العرب والمسلمين.
كما أن ردود المحللين من محمود جمال وكامل الخطيب وحسام الهمادي وياسر الزعاترة ونظام المهداوي تؤكد أن القضية لم تعد مجرد خلاف سياسي، بل معركة وجود وهوية. ومع استمرار الصمت العربي، يتضحُ أنَّ الرهانَ على واشنطنَ رهانٌ خاسرٌ، وأن الوقت قد حان لإعادة النظر في كل التحالفات والسياسات قبل أن يضيع ما تبقى من فلسطين والقدس.