حذّر رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل من تفاقم الوضع الإنساني في قطاع غزة، واصفًا ما يجري هناك بأنه كارثة إنسانية غير مسبوقة في العصر الحديث، وسط استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية التي خلفت آلاف الضحايا، غالبيتهم من المدنيين والأطفال. وأكد ميشيل أن "عدد الضحايا المدنيين، خصوصًا الأطفال، تجاوز كل الحدود، ولم يعد من الممكن السكوت أمام هذه المأساة".
جاءت تصريحات ميشيل خلال مؤتمر صحفي على هامش اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، حيث شدّد على ضرورة وقف فوري لإطلاق النار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون قيود إلى القطاع الذي يواجه انهيارًا شبه كامل في بنيته التحتية وخدماته الأساسية.
تحذير أوروبي من الانزلاق نحو مجاعة
أوضح ميشيل أن التقارير الواردة من الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية "تُظهر مؤشرات مقلقة للغاية"، مشيرًا إلى أن أكثر من 2.3 مليون فلسطيني في غزة يعيشون تحت الحصار منذ أشهر، فيما تفتقر المستشفيات إلى الأدوية، وتواجه العائلات نقصًا حادًا في المياه والغذاء. وقال إن استمرار القصف ومنع الإمدادات "يهدد بدفع القطاع نحو مجاعة حقيقية"، وهو ما قد يتحول إلى مأساة إقليمية تهدد الاستقرار في الشرق الأوسط.
وأكد رئيس المجلس الأوروبي أن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه أن يبقى متفرجًا أمام هذه الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي الإنساني، في إشارة إلى الغارات التي استهدفت الأحياء السكنية والمخيمات المكتظة بالسكان. وأضاف: "القانون الدولي واضح، حماية المدنيين أولوية مطلقة، وأي استهداف عشوائي لهم يشكل جريمة حرب".
تزايد الضغط على إسرائيل لوقف التصعيد
تصريحات ميشيل تأتي في وقت تتزايد فيه الانتقادات الأوروبية والدولية لإسرائيل بسبب ارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين. وبحسب تقديرات وزارة الصحة في غزة، تجاوز عدد القتلى عشرات الآلاف منذ اندلاع الحرب، بينهم نسبة كبيرة من النساء والأطفال، فيما يعيش الناجون في ظروف إنسانية قاسية تحت القصف المستمر وانعدام الخدمات الأساسية.
دول أوروبية عدة، من بينها إسبانيا وإيرلندا وبلجيكا، طالبت بفرض عقوبات على المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة الغربية، بينما ارتفعت الأصوات الداعية لتعليق صادرات السلاح إلى إسرائيل. ويرى محللون أن تصريحات ميشيل تمثل انعكاسًا لميل متزايد داخل الاتحاد الأوروبي نحو تشديد الضغط السياسي والاقتصادي على حكومة نتنياهو لإجبارها على القبول بهدنة إنسانية طويلة الأمد.
خلافات داخل الاتحاد الأوروبي
رغم الموقف الإنساني الذي أعلنه ميشيل، فإن الاتحاد الأوروبي لا يزال يعاني من انقسامات داخلية بشأن كيفية التعامل مع إسرائيل. ففي حين تدعو بعض الدول الأعضاء إلى اتخاذ إجراءات عقابية مباشرة، تتمسك دول أخرى، مثل ألمانيا والتشيك، بدعمها المطلق لتل أبيب بحجة "حقها في الدفاع عن النفس". هذا التباين يجعل الموقف الأوروبي أقل تأثيرًا مقارنة بالولايات المتحدة التي تواصل دعم إسرائيل عسكريًا ودبلوماسيًا رغم الانتقادات الدولية المتصاعدة.
أصوات تطالب بدور أوروبي أقوى
منظمات حقوقية أوروبية، مثل "أطباء بلا حدود" و"العفو الدولية"، طالبت الاتحاد الأوروبي بوقف سياسة "البيانات الخجولة" والتحرك لفرض آليات ملزمة لوقف القصف وحماية المدنيين. كما دعت هذه المنظمات إلى تجميد اتفاقيات التعاون العسكري والتجاري مع إسرائيل، باعتبار ذلك ورقة ضغط قد تساهم في إنهاء المأساة الإنسانية في غزة.
هل يتحرك الاتحاد الأوروبي؟
تأتي تحذيرات رئيس المجلس الأوروبي في وقت يزداد فيه الغضب الشعبي داخل القارة العجوز، حيث شهدت مدن أوروبية كبرى، مثل باريس وبروكسل ولندن، تظاهرات حاشدة تطالب بوقف الحرب ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم بحق المدنيين. لكن المراقبين يرون أن تأثير هذه المواقف سيظل محدودًا ما لم تتحول إلى قرارات تنفيذية قوية، تشمل وقف تصدير السلاح لإسرائيل، والضغط لفتح الممرات الإنسانية بشكل عاجل.
في ظل استمرار القصف وارتفاع أعداد الضحايا، يواجه الاتحاد الأوروبي اختبارًا حقيقيًا بين المبادئ الإنسانية والمصالح السياسية، بينما يبقى المدنيون في غزة هم من يدفع الثمن الأكبر لهذه الحرب التي طال أمدها.