شهدت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، يوماً طويلاً من الرعب والدمار، بعدما شنت قوات "الدعم السريع" قصفاً مدفعياً مكثفاً على الأحياء السكنية والأسواق المزدحمة، ما أسفر عن مقتل 24 مدنياً وإصابة 55 آخرين، بينهم نساء وأطفال، وفق ما أعلنت "شبكة أطباء السودان". هذه المجزرة التي وُصفت بأنها الأعنف منذ أسابيع، أعادت تسليط الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها قوات الدعم السريع بحق المدنيين العزّل، في ظل حصار خانق تفرضه على المدينة منذ أكثر من 15 شهراً.

إلى جانب الهجمات، يعيش سكان الفاشر كارثة إنسانية غير مسبوقة بسبب الحصار الذي تفرضه "الدعم السريع" منذ أكثر من عام، ما أدى إلى انعدام الغذاء والدواء وارتفاع معدلات الجوع والمرض، وسط صمت دولي وصفته تنسيقية لجان مقاومة الفاشر بأنه "تواطؤ يرقى للجريمة". التنسيقية شددت على أن المدينة، رغم مأساة الحصار والقصف، لا تزال صامدة، متعهدة بعدم الاستسلام "حتى آخر نفس وطلقة".
 

تصعيد عسكري ومعارك ضارية
القوات المشتركة أعلنت صد الهجوم وتكبيد "الدعم السريع" خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، مؤكدة استعادة السيطرة على المحاور الجنوبية للمدينة ومطاردة القوات المهاجمة حتى خارج حدود الفاشر. المتحدث باسم القوات المشتركة العقيد أحمد حسين مصطفى أوضح أن الهجوم كان محاولة للتضليل الإعلامي وإيهام الرأي العام بوجود سيطرة لـ"الدعم السريع"، بينما الواقع يؤكد فشل هذه المحاولات المتكررة.

من جهتها، زعمت قوات "الدعم السريع" تحقيق تقدم مهم بالسيطرة على مواقع حيوية داخل الفاشر والوصول حتى منطقة متحف السلطان، وبثت مقاطع فيديو تظهر عمليات إجلاء المدنيين، في محاولة لتبرير الهجوم وإظهار نفسها كقوة منظمة، رغم الاتهامات الدولية والمحلية لها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
 

امتداد الصراع إلى كردفان
التصعيد لم يقتصر على الفاشر، إذ شن الجيش السوداني غارات جوية في محور كردفان استهدفت تجمعات "الدعم السريع" غرب مدينة بارا ومناطق أم صميمة والخوي، مدمراً عربات قتالية وقتلاً قيادات ميدانية بارزة. في المقابل، عمدت "الدعم السريع" إلى حفر خنادق وقطع الطريق القومي لعرقلة تقدم الجيش، بينما واصلت عمليات الاغتيال والخطف والتهجير القسري لسكان القرى، في مشهد يفاقم الانتهاكات الواسعة ضد المدنيين.
 

أبعاد سياسية وأمنية
المعركة على الفاشر تحمل أبعاداً استراتيجية، كون المدينة آخر المعاقل المهمة للجيش في دارفور، والسيطرة عليها تمنح "الدعم السريع" نفوذاً كبيراً في الإقليم الغني بالموارد. محللون يرون أن استمرار هذا الصراع الدموي يعكس فشل كل المبادرات السياسية الإقليمية والدولية لوقف الحرب، في ظل تغليب الأطراف للحسم العسكري على أي تسوية.

في المقابل، تزايدت الدعوات الدولية، كان آخرها من رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس، الذي ناشد الأمم المتحدة ومجلس الأمن التدخل العاجل لفتح ممرات إنسانية، محذراً من أن مئات الآلاف يموتون جوعاً في الفاشر. إلا أن الاستجابة حتى الآن تظل محدودة، ما يثير مخاوف من تفاقم الكارثة وتحول الفاشر إلى رمز لمأساة إنسانية تتجاهلها عيون العالم.
 

مسؤولية المجتمع الدولي
قصف الأسواق والأحياء السكنية في الفاشر يرقى إلى جرائم حرب وفق القانون الدولي، ويكشف بوضوح عن منهجية "الدعم السريع" في استهداف المدنيين كجزء من استراتيجيتها العسكرية. استمرار هذه الجرائم دون محاسبة يعني فتح الباب أمام مزيد من الانتهاكات، ليس في الفاشر فقط، بل في كل مدن دارفور وكردفان التي تعاني السيناريو ذاته.

وفي ظل هذا الواقع المأساوي، يبقى السؤال الكبير: إلى متى يستمر العالم في التفرج على دارفور وهي تحترق، بينما المدنيون يُقتلون جوعاً وقصفاً تحت أعين الجميع؟