شهدت منطقة الكسوة جنوب غرب دمشق ليلة الأربعاء/الخميس واحدة من أكثر العمليات العسكرية الإسرائيلية غموضًا وإثارة للجدل منذ سنوات، بعدما نفذت قوات الكوماندوز التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي إنزالًا جويًا استمر ساعتين كاملتين، سبقه قصف جوي مكثف استهدف مواقع عسكرية سورية في المنطقة.
وبينما التزمت إسرائيل سياستها المعتادة بعدم الاعتراف المباشر بالعملية، فإن تصريحات وزير دفاعها يسرائيل كاتس أوحت بمسؤولية تل أبيب، حين أكد أن قواته تعمل "ليلًا ونهارًا من أجل أمن إسرائيل".
تفاصيل العملية
بحسب ما أوردته وكالة الأنباء السورية "سانا"، فقد شنت إسرائيل ثلاث موجات من الغارات الجوية خلال أقل من 24 ساعة على محيط الكسوة، أسفرت عن استشهاد 6 جنود سوريين وتدمير آليات عسكرية.
لكن اللافت، وفق ما ذكرته مصادر سورية، أن العملية جاءت بعد اكتشاف دورية للجيش السوري أجهزة مراقبة وتنصّت مموهة قرب جبل المانع، حيث تحولت محاولة التعامل معها إلى ساحة مواجهة مفتوحة امتدت لساعات، تخللها القصف والإنزال الجوي.
مصادر عسكرية إسرائيلية، نقلت عنها إذاعة الجيش، تحدثت عن إنزال نفذته 4 مروحيات حملت عشرات الجنود إلى موقع عسكري يضم صواريخ "إيغلا-إس"، سبق أن استخدمها "حزب الله" في سوريا، ويُرجح أن أجهزة التنصت التي اكتشفت هناك كانت على درجة عالية من الأهمية الاستخبارية، ما استدعى تدخلاً بريًا بعد القصف الجوي، خشية وقوعها في أيدي الجيش السوري.
لماذا الكسوة؟
منطقة الكسوة تعد منذ سنوات مسرحًا متكررًا للغارات الإسرائيلية، إذ تحتوي على مواقع عسكرية للجيش السوري، وأخرى للفصائل الحليفة لطهران.
كما استهدفتها إسرائيل مرارًا بدعوى وجود منشآت إيرانية، كان أبرزها في مارس 2023 حين قتل مستشاران من الحرس الثوري الإيراني هناك.
ويرى خبراء عسكريون أن المثلث الإستراتيجي (حرجلة – جبل المانع – الكسوة) يمثل خطًا أحمر لتل أبيب، خاصة مع أي تحرك لمنظومات الدفاع الجوي السورية في تلك المنطقة القريبة من الجولان المحتل.
رسائل إسرائيلية.. وردود سورية باهتة
ورغم أن وزارة الخارجية السورية لم تصدر بيانًا رسميًا بشأن عملية الإنزال، فإن الإعلام الرسمي أدان الغارات واعتبرها "عدوانًا جديدًا على السيادة السورية".
في المقابل، اكتفت إسرائيل برسائل غير مباشرة، حيث شدد وزير الدفاع كاتس على أن "أمن الجليل والجولان أولوية مطلقة"، في إشارة إلى أن أي نشاط عسكري سوري في الجنوب يعد تهديدًا يستوجب الرد.
ويرى محللون أن العملية الأخيرة لا ترتبط بالضغط السياسي أو مسارات التفاوض بقدر ما تعكس عملية أمنية بحتة هدفها منع وقوع أجهزة حساسة في أيدي دمشق أو حلفائها.
الباحث وائل علوان أكد أن دمشق لا تملك القدرة ولا الإرادة لمواجهة مباشرة، مكتفية بتحركات دبلوماسية وحملات إعلامية، بينما تواصل إسرائيل فرض قواعد اشتباكها.
حرب الأجهزة.. من لبنان إلى دمشق
لم يكن ما جرى في الكسوة حدثًا معزولًا؛ بل امتدادًا لما يسميه خبراء "حرب التجسس الإسرائيلية".
فمنذ 2009، شهد جنوب لبنان عشرات الحالات المماثلة، حيث عُثر على أجهزة مراقبة إسرائيلية مموهة داخل صخور وأشجار، وغالبًا ما كانت إسرائيل تبادر إلى تفجيرها عن بُعد فور اكتشافها.
المشهد ذاته تكرر في سوريا عام 2013 عند كشف أجهزة مشابهة في الساحل، واليوم يتجدد في قلب ريف دمشق.
الجامع المشترك بين كل هذه الوقائع أن إسرائيل تتحرك فورًا لتدمير تلك الأجهزة حال اقتراب الخصوم منها، حتى لو تطلب الأمر ضربات جوية متواصلة أو عمليات إنزال، في إشارة إلى أن ما تحتويه من معلومات أو تقنيات يمثل كنزًا استخباريًا لا يمكن التفريط فيه.