في 27 أغسطس 2025 استقبلت البحرين أوراق اعتماد السفير الإسرائيلي الجديد، خطوة رسمية أعادت تموضع العلاقات بعد فترة تجمّد دبلوماسي أعقبت تصاعد العنف في غزة.
قرار المنامة يعكس حسابات عملية: الأمن البحريني والاستقرار الإقليمي، علاقة وثيقة مع واشنطن، والحاجة إلى تقنيات متقدمة (سيبرانية، استخباراتية، عسكرية ــ دفاعية) واستثمارات تدرّ سيولة للاقتصاد الصغير. البحرين مساحة جغرافية صغيرة، تعتمد على الحماية الأميركية وتحتاج إلى شركاء يوفّرون لها «مردوداً ملموساً» أسرع من حلول سياسية بعيدة الأفق.
ما «المصالح الحيوية» التي قد تحتاجها البحرين من إسرائيل؟
بناء على تجارب دول الخليج الأخرى، المصالح المحتملة عملية وتشمل: 1) أمن ومعلومات استخباراتية ضد مخاطر إقليمية (خاصة التهديدات الإيرانية والأنشطة المدعومة خارجياً)، 2) تعاون سيبراني ومراقبة (حيث تقدّم شركات إسرائيلية خدمات متقدمة)، 3) تقنيات زراعية ومائية لتحسين الأمن الغذائي في بلد يعاني محدودية الموارد، 4) استثمارات في قطاعَي الطاقة والتمويل، و5) تسهيلات دفاعية ومنظومات تسليح متطورة عبر شبكات علاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل معا. هذه البنود عادة ما تُسوَّق في خلفية اتفاقيات التطبيع كعوائد «أمنية واقتصادية».
لماذا اختلفت البحرين عن السعودية علنًا؟ (السعودية تصرّفت بحذر)
الاختلاف ليس بالضرورة «تناقضًا أيديولوجيًا» بقدر اختلاف موازين قوة وضرورات داخلية: السعودية أكبر سياسياً وديموغرافياً ولها حسابات سوداوية عن تكاليف شعبية تغير الموقف من فلسطين؛ لذلك سارعت الرياض إلى تأكيد رفضها لأي تطبيع شامل أثناء استمرار الحرب في غزة وشرطها القاضي بمرجعية حل سياسي للفلسطينيين. بالمقابل، البحرين ــ أصغر وأكثر اعتمادًا على مظلّة أميركية مباشرة (تستضيف الأسطول الخامس) ــ لديها هامش مناورة أضيق فتختار ترجمة العلاقات إلى «عوائد فورية» حتى لو دفعت ثمناً سياسياً داخلياً. هذا الاختلاف انعكس بوضوح في سلوك الساسة الخليجيين بعد 7 أكتوبر ونتائجه على ملفات التطبيع.
هل ثمّة «شيء تحت الطاولة»؟ ما الذي قد يحدث بعيدا عن الأضواء؟
الاحتمال قائم ــ لكن يجب فصله بوضوح عن الأدلة الموثّقة. ما نعرفه عن ممارسات العقد الإقليمي يشير إلى أن اتفاقيات تطبيع كثيرًا ما تبعها: بروتوكولات استخباراتية، صفقات سلاح/تدريب، ووصول تقني يُدار عبر قنوات سرية أو شبه رسمية قبل الإعلان عن شراكات مدنية.
في حالة البحرين، المنطق القائم يقول إنّ «صفقات أمنية أو تعاوناً استخباراتياً» ستكون من أولويات المنامة، خصوصًا مع تركيزها على تهريب النفوذ الإيراني و«الأمن الداخلي».
لكن لا توجد (حتى الآن) وثائق علنية تُثبت صفقات مالية مشبوهة أو «بيوع أرضية» تحت الطاولة؛ أي ادعاء من هذا النوع يحتاج إثباتًا ميدانيًا (عقود، تسريبات، أو تحقيق صحفي موثوق). لذلك من المعقول جداً افتراض «تفاهمات أمنية واقتصادية مُسبقة» تسبق أو ترافق المصافحة الدبلوماسية، لكن لا يجوز تقديمها كحقيقة دون أدلة.
حسابات قصيرة المدى أم استراتيجية طويلة؟
بالحجم الجغرافي والضغوط الأمنية والاقتصادية التي تواجهها، اختارت البحرين «المناورة العملية» على حساب الخطاب الشعبي، سعياً للحصول على مكاسب تقنية واستثمارية وأمنية تبدو عاجلة.
السعودية، ذات ثقل أكبر، اختارت موقفًا تحفظيًا علنيًا تحسبًا للكلفة الداخلية والإقليمية. أما السؤال الأكبر فهو سياسي وأخلاقي: إلى أي حدّ ستُضحي دول الخليج بالشرعية الشعبية والقضية الفلسطينية لقاء عوائد اقتصادية وأمنية قصيرة الأمد؟ ومع ازدياد ضغط الرأي العام العربي، ستبقى الإجابة رهينة توازنات جديدة — ونحن بحاجة إلى شفافية أكبر حول أي تفاهمات تمت «تحت الطاولة» قبل قبول نتائجها كأمر واقع.