أعلن الإعلام الرسمي أن عبد الفتاح السيسي عقد اجتماعاً مع مسؤولي المخابرات العامة ووزارتي الداخلية والاتصالات لبحث "تطوير قطاع الاتصالات".
على الورق يبدو الأمر طبيعياً، بل وربما مبشراً، لكن المتابع للواقع المصري يعرف أن هذه الاجتماعات ليست بريئة، وأن الحديث عن "تطوير" يخفي وراءه أجندة أمنية صارمة هدفها الأساسي: إحكام السيطرة على الفضاء الرقمي، توسيع رقعة المراقبة، وقطع الطريق على أي صوت معارض وتأمين كرسي السيسي.
اتصالات على المقاس الأمني
منذ سنوات، تحوّل قطاع الاتصالات في مصر إلى أداة بيد الأجهزة الأمنية.
فبدلاً من أن يكون وسيلة لخدمة المواطن وتسهيل حياته، صار سلاحاً للرقابة والتجسس.
تقارير عديدة أشارت إلى أن شركات المحمول والإنترنت خاضعة بشكل كامل لتعليمات الأجهزة، حيث يتم:
- فرض رقابة شاملة على المحتوى الإلكتروني.
- تتبع النشطاء والمعارضين عبر بيانات الاتصالات.
- حجب مئات المواقع الإخبارية المستقلة.
وفي هذا السياق، يصبح "تطوير الاتصالات" مجرد اسم حركي لتوسيع نطاق المراقبة، وليس تحسين الخدمة.
الاجتماع رسالة خوف لا ثقة
اجتماع يضم المخابرات والداخلية والاتصالات مع الرئيس يكشف عن شيء واحد: توتر النظام. فبدلاً من أن تكون الاتصالات مجالاً للابتكار الرقمي والتعليم عن بُعد والتحول الرقمي كما في باقي دول العالم، يجري النظر إليها باعتبارها "خطر أمني" يجب التحكم فيه.
هذا يعكس حالة الهشاشة التي يعيشها النظام:
- توسع في الاعتقالات ضد الصحفيين والمدونين.
- ملاحقة أي نشاط شبابي حتى لو كان سلمياً.
- تخوف من أن تتحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى منصات احتجاج كما حدث في يناير 2011.
القمع يبتلع التكنولوجيا
بينما تطور دول العالم شبكات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي لدعم الاقتصاد، يستغل النظام المصري نفس الأدوات لفرض القمع. فالتكنولوجيا في مصر تُوظف لـ:
- بناء قواعد بيانات ضخمة للمواطنين لمراقبتهم.
- مراقبة المحادثات الخاصة وتحليلها.
- التحكم في الوصول إلى الإنترنت وفق معايير الولاء السياسي.
النتيجة: بيئة خانقة لا تشجع على الابتكار أو الاستثمار، بل على الخوف والصمت.
الكرسي أولاً… والوطن أخيراً
اجتماع السيسي مع المخابرات والداخلية والاتصالات لا يعكس حرصاً على "تطوير الاتصالات"، بل خوفاً من الشعب وتأكيداً على أن النظام يعتبر كل مواطن مشروع تهديد يجب مراقبته.
النظام الذي يربط التكنولوجيا بالأمن، ويضع الرقابة فوق الحرية، لا يسعى لتطوير وطن بل يسعى لتأمين كرسي الحكم.
وفي النهاية، ما يفعله السيسي ليس سوى توسيع سجن كبير اسمه مصر، حيث يتحول الإنترنت من نافذة على العالم إلى جدار إضافي من جدران القمع.